كشفت «الإمارات اليوم»، خلال جولة افتراضية على إحدى منصات التوظيف العالمية، عن رسائل احتيالية تستهدف النساء من خلال تقديم عروض وهمية، توحي لهن بأنها فرص ذهبية لتحقيق الثراء السريع.
وتنتحل الجهة المرسلة شخصيات مواطنات من الباحثين عن وظائف، أو من مواقع مختلفة، زاعمة أنهن يعملن في جهات حكومية وخاصة، وأنهن تركن وظائفهن المرموقة للاستفادة من الأرباح التي يحصلن عليها من العمل معها.
وتتمحور الرسائل حول عروض لمشروعات مزعومة في مجال التسويق الإلكتروني، تقدم على أنها «فرص استثمارية تضمن دخلاً يفوق الرواتب الشهرية»، بينما تخفي في جوهرها محاولات لتحويل الضحية إلى واجهة دعائية لمشروعات وهمية.
وحذّر قانونيون من أن هذه الممارسات تمثل تهديداً مباشراً لقطاع التجارة الإلكترونية في الدولة، وتعيق نمو الأعمال الشرعية.
وتفصيلاً، حصلت صحيفة «الإمارات اليوم» على نسخ من رسائل، قدمت الجهة المرسلة نفسها في إحداها على أنها «رائدة أعمال إماراتية» كانت تعمل سابقاً في قطاع النقل، قبل أن تتجه إلى تأسيس مشاريع خاصة، مؤكدة أنها باتت تحقق دخلاً يفوق راتبها السابق، داعية ضحاياها للانضمام إلى مشروعها عبر المشاركة في تسويق منتجات، مثل «فلاتر مياه»، وسلع توصف بأنها «حصرية»، لمنحها شعوراً بأن «المشروع مجرب ومضمون».
ويتضح لاحقاً أن الهدف الحقيقي هو استغلال اسم الضحية ومنصبها الوظيفي، وتحويلها إلى أداة دعائية مجانية لإقناع مزيد من الضحايا بمطاردة وهم الثراء السريع من خلال الانضمام إلى المشروع، وفي بعض الحالات يطال الاحتيال الضحية مالياً ومعنوياً.
وفي إحدى الحالات، وجهت المرسلة طلباً مباشراً إلى موظفة تعمل في جهة حكومية، دعتها فيه للانضمام إلى مشروعها القائم على تسويق سلع وخدمات عبر الإنترنت، مشترطة دفع مبلغ 23 ألف درهم تحت مسمى «شراكة استثمارية»، إلى جانب إقرار ضمني يسمح باستخدام اسم الموظفة وصورتها الشخصية (المعروضة على منصة التوظيف) ضمن الحملات التسويقية للمشروع، بزعم أنها ستكون «نموذجاً ناجحاً» يستغل لجذب مزيد من النساء وتشجيعهن على المشاركة.
ازدواجية الفعل
من جانبه، أفاد المستشار القانوني، الدكتور فهد الظهوري، بأن هذه الأفعال تشكل جرائم احتيال إلكتروني متكاملة الأركان، وفقاً لقانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، مشيراً إلى أن «خطورتها تكمن في ازدواجية الفعل الإجرامي بين الاستيلاء على الأموال واستغلال الهوية الشخصية في آن واحد».
وأكد أن «قيام أشخاص بانتحال صفة موظفات في جهات حكومية أو خاصة، واستغلال هذه الصفة لاستدراج الضحايا، ودفع مبالغ مالية تحت مسميات استثمارية، يندرج مباشرة تحت نطاق المادة (40) من القانون، التي تجرّم الاستيلاء على الأموال أو المنافع بطرق احتيالية أو باستخدام هوية مزيفة عبر الشبكة المعلوماتية».
وبيّن الظهوري أن المادة (40) وضعت لحماية الأفراد من مختلف أشكال الاحتيال الإلكتروني، إذ تنص على عقوبات صارمة تصل إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التي قد تصل إلى مليون درهم، ما يعكس حرص المشرع على فرض الردع العام والخاص، ومنع استغلال المنصات الرقمية في أعمال غير مشروعة.
وأوضح أن «خطورة هذه الممارسات تتضاعف عندما تتحول الضحية إلى وسيلة دعائية مزيفة تستخدم لإقناع مزيد من النساء بالانضمام، ما يجعل الضرر ذا أثر مضاعف على المجتمع».
وأضاف الظهوري أن الترويج لمشروعات وهمية أو منتجات غير حقيقية ببيانات مضللة يخضع لأحكام المادة (48) من القانون ذاته، التي تفرض عقوبة بالحبس والغرامة قد تصل إلى 500 ألف درهم على كل من يروج لسلعة أو خدمة تتضمن بيانات كاذبة أو ادعاءات غير صحيحة، مضيفاً أن هذا النص التشريعي لا يحمي فقط حقوق المستهلكين من الخداع، بل يرسّخ مبدأ الشفافية والمصداقية في المعاملات التجارية والإعلانية على الشبكة المعلوماتية.
واعتبر الظهوري أن تطبيق المادتين معاً (40 و48) يعكس حرص المشرّع الإماراتي على حماية الثقة العامة، ومنع أي استغلال غير مشروع للتكنولوجيا الرقمية، مؤكداً أن السياسة التشريعية للدولة تهدف إلى توفير بيئة رقمية آمنة، وضمان عدم تحول المنصات الإلكترونية إلى أدوات للإضرار بالمصالح المالية أو النيل من السمعة الشخصية للأفراد.
جهات مجهولة
من جهته، شدد المستشار القانوني، المحامي راشد الحفيتي، على ضرورة تعزيز الثقافة القانونية والوعي الرقمي لدى أفراد المجتمع، مؤكداً أن «الحماية تبدأ من وعي المستخدمين بحقوقهم، والتأكد من موثوقية الجهات التي يتعاملون معها عبر الإنترنت».
وحذّر الحفيتي من مشاركة البيانات الشخصية أو الصور على المنصات الرقمية مع جهات مجهولة أو الدخول في شراكات مالية غير موثقة، لما قد يترتب على ذلك من مخاطر قانونية ومالية قد تصل إلى النزاعات القضائية والجرائم الإلكترونية.
وأكد أهمية استخدام قنوات الإبلاغ الرسمية، مثل منصة جرائم التقنية التابعة لوزارة الداخلية، إلى جانب التطبيقات الذكية للشرطة، مشيراً إلى أن سرعة الإبلاغ تسهل على الجهات المختصة تتبع الجناة وإيقاف نشاطهم، وتسهم في حماية المجتمع والحدّ من انتشار الجرائم الإلكترونية، وتعزيز ثقة الجمهور بالمعاملات الرقمية، وخلق بيئة إلكترونية آمنة ومستقرة.
الرسائل المشبوهة
وحذّر الخبير الاقتصادي، الدكتور حمد سالم الهاشمي، من تنامي ظاهرة الرسائل المشبوهة المتداولة عبر بعض منصات التوظيف الإلكترونية، التي يتقمص مرسلوها شخصيات سيدات إماراتيات يعملن في جهات حكومية وخاصة، بهدف استدراج الضحايا، لاسيما النساء العاملات في وظائف مرموقة، إلى مشاريع وهمية تحت غطاء الاستثمار.
وأوضح الهاشمي أن هذه الرسائل تبدأ بصيغة ودية ومقنعة، قبل أن تتحول سريعاً إلى عروض استثمارية في مجالات مثل التسويق الإلكتروني أو بيع منتجات غير حقيقية، حيث يُطلب من الضحية دفع مبالغ مالية كبيرة، قد تصل إلى عشرات الآلاف من الدراهم، تحت مسمى «شراكة استثمارية».
وأكد أن «هذه الممارسات تمثل تهديداً مباشراً لقطاع التجارة الإلكترونية في الدولة، إذ لا تقتصر على استغلال الضحايا مالياً، بل تزعزع ثقة المجتمع بالمشاريع الرقمية الجادة، وتؤثر سلباً في بيئة الاستثمار المحلي»، لافتاً إلى أن «انتشار هذه الأساليب يخلق حالة من التردد لدى الجمهور، ويعيق نمو الأعمال الشرعية»، داعياً إلى ضرورة التحقق من هوية الجهات التي تقدم مثل هذه العروض، وعدم الانجراف وراء وعود الثراء السريع.
وشدد على أن «المشاريع الجادة لا تروج عبر رسائل عشوائية، ولا تطلب مبالغ مالية كبيرة مسبقاً».
وذكر أن «الاستثمار الحقيقي يقوم على الشفافية، ووفق دراسات مالية واضحة ومنطقية، وليس على الإغراءات الكلامية أو استخدام صور أشخاص لإيهام الآخرين بالمصداقية، بينما تعد الأساليب التي يتبعها المحتالون شكلاً من أشكال النصب الرقمي المنظم، الذي يهدف إلى استدراج الأموال والسطو على البيانات الشخصية، دون أي أساس تجاري حقيقي».
راشد الحفيتي:
• الحماية تبدأ من وعي المستخدمين بحقوقهم والتأكد من موثوقية الجهات التي يتعاملون معها عبر الإنترنت.
نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: عروض وهمية تستغلّ الباحثات عن «الثراء السريع» لترويج منتجات - تليجراف الخليج اليوم السبت 6 سبتمبر 2025 11:51 مساءً
0 تعليق