نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: التكنوقراط في مواجهة السياسة: قراءة في قيادة جعفر حسان - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 2 سبتمبر 2025 09:49 مساءً
حين أدى دولة الرئيس جعفر حسان اليمين الدستورية كرئيس لوزراء الأردن في سبتمبر 2024، ارتفعت التوقعات حول المرحلة المقبلة. فالرجل ليس سياسيًا تقليديًا، بل يُعرف بكونه تكنوقراط براغماتي يتمتع بخبرة واسعة في السياسات الاقتصادية والعلاقات الدولية، وجاء تعيينه في لحظة فارقة تزامنت مع انتخابات برلمانية جديدة، وإقليم مضطرب، ومطالب شعبية متزايدة بالإصلاح.
على خلاف كثير من رؤساء الحكومات السابقين، لم تُبنَ سمعة جعفر حسان على خلفية حزبية، بل على مسيرة مهنية غنية في إدارة السياسات العامة؛ فقد عمل وزيرًا للتخطيط، ثم مستشارًا رفيعًا في الديوان الملكي الهاشمي، ما أكسبه مزيجًا من الخبرة التقنية والرؤية السياسية. هذا المزيج انعكس على أسلوب إدارته للحكومة التي تتسم بالعملية والتركيز على الحلول بعيدًا عن الأيديولوجيا.
المشروع الأبرز لحسان هو رؤية التحديث الاقتصادي، وهي خطة طويلة الأمد تهدف إلى تحفيز النمو، جذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل للشباب، بالاعتماد على ركائز أساسية مثل الطاقة المتجددة، التحول الرقمي، وتطوير قطاع السياحة. غير أن نجاحها مرهون بقدرة الحكومة على الموازنة بين متطلبات الإصلاح وتطلعات الشارع الأردني إلى تحسين الأجور وتخفيف أعباء المعيشة. وهنا يجد جعفر حسان نفسه أمام معادلة دقيقة: أن يحقق نتائج عاجلة تعيد الثقة للناس من غير أن يفرّط بالأهداف الكبرى التي تبني مستقبل الأردن.
إلى جانب التحديات الاقتصادية، يواجه حسان واقعًا سياسيًا جديدًا بعد انتخابات 2024 التي منحت المعارضة، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، حضورًا أكبر في البرلمان. وهو ما يتطلب مهارة عالية في بناء توافق سياسي وتجنّب حالة الجمود، لضمان تمرير برامجه الإصلاحية بسلاسة.
ولطالما ارتبط استقرار الأردن بدوره الإقليمي. وحين تسلّم حسان مهامه، وجد نفسه أمام بلد يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري، يعاني من شح المياه، ويعتمد على المساعدات الدولية. وقد نجح مبكرًا في ضمان استمرار الدعم المالي من الشركاء الدوليين، بما يزيد عن ملياري دولار سنويًا، في دليل على قدرته الدبلوماسية ومصداقيته لدى المانحين. في الوقت ذاته، سعى إلى الحفاظ على التوازن الاستراتيجي للأردن في محيط إقليمي متقلب دون أن يتراجع عن أجندة الإصلاح الداخلية.
وعلى المستوى التنفيذي، أجرى حسان بعد أقل من عام على توليه المنصب تعديلًا وزاريًا شمل تسعة وزراء في حقائب حيوية مثل الاستثمار والصحة والنقل والبيئة، مع الحفاظ على استقرار الوزارات السيادية. وقد اعتُبر هذا التعديل خطوة لتعزيز الأداء التنفيذي وإظهار أن الحكومة تتحرك وفق نهج الكفاءة التقنية لا وفق حسابات سياسية ضيقة.
الاختبار الحقيقي لقيادة جعفر حسان لن يُقاس فقط بالأرقام الاقتصادية أو حجم الاتفاقيات الدولية، بل بقدرته على ترجمة الإصلاحات إلى إنجازات ملموسة للمواطنين: وظائف للخريجين الشباب، بنية خدمية متطورة في الصحة والتعليم، وتعزيز الثقة بالمؤسسات العامة. وفي منطقة تتسم بالتقلبات، يجمع نهجه بين الواقعية والرؤية المستقبلية. فإذا نجح، فلن يقتصر أثره على حكومته الحالية فحسب، بل قد يرسم ملامح العقد السياسي والاقتصادي المقبل للأردن، ليصبح دور رئيس الوزراء ليس مجرد مدير سياسي، بل مهندس استراتيجي للإصلاح.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق