الشاعرة مرام المصري : كان خوفي أن أموت بعيداً عن سوريا - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الشاعرة مرام المصري : كان خوفي أن أموت بعيداً عن سوريا - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء الموافق 3 سبتمبر 2025 11:14 مساءً

بعد غياب دام ثمانية عشر عاماً، عادت الشاعرة السورية مرام المصري، المقيمة في باريس، إلى بلدها الأم سوريا، في زيارة كانت محفوفة بالمفارقات والأحداث المؤلمة. فالزيارة تزامنت مع حرائق غابات الساحل والمجزرة التي شهدتها المنطقة، والتي لا تزال قضاياها دون تحقيق، ما أثقل على مزاجها، خاصة كونها من مواليد اللاذقية.

 

في حوار حصري لموقع 24 بعد عودتها إلى باريس، تحدثت مرام المصري عن أثر هذه الأحداث على شعورها بوطنها، وتحرر البلاد من النظام السابق، خاصة أن أعمالها ترجمت إلى عدة لغات. هذه الأسئلة وغيرها شكلت محور اللقاء، الذي كشف أبعاداً إنسانية وفنية حول تجربتها الشعرية ومشاهداتها خلال العودة إلىسوريا.

سكرة الفرح

وأخيراً زرت سوريا، كم مضى من السنوات وأنت بعيدة عنها، لكن زيارتك مع الأسف ترافقت مع كارثة احتراق غابات الساحل، وقبل أيام مما حدث في السويداء، فكم أثّر ذلك على مزاجك وسعادتك؟

تقول المصري: "أخيراً زرت سوريا بعد 18 سنة، 18 سنة من الحرمان، 18 سنة من القهر، 18 سنة من العذاب، 18 سنة من الاشتياق. عندما قررت أن أزور سوريا بعد تحريرها من النظام البائد، قال لي ابني جملة تجسّد رد فعله"، قال: "ماما، هلأ منعرف وين بدنا ندفنك"، وتابعت "رغم قسوة رد فعله، لكن كان صحيحاً. لقد كان خوفي أن أموت بعيداً عن سوريا، بعيداً عن أهلي، أن لا أرى أختي، أن لا أرى أخي، أن لا أرى البلد الذي كبرت وترعرعت فيه والذي أحببت فيه. ربما يعتقد البعض أنني تأخرت حتى زرت البلد، لكن طبيعة عملي لم تسمح لي بتنفيذ رغبتي بسرعة، وكان ثمة معوّقات أخرى، فما حدث في لبنان، ثم مجزرة الساحل والاعتداءات المتبادلة بين أهل الساحل والجيش، واحترت هل آتي عن طريق بيروت أم طرابلس، ثم قررت العودة عن طريق إسطنبول ومنها لدمشق. في إسطنبول ساعدني صديق مشترك بيني وبين أخي منذر، وفي دمشق ساعدتني واستقبلتني صديقة لي وزوجها، لهم جميعاً الشكر والمحبة".

وتتابع "من المؤكد أن ما حدث في الساحل عكّر مزاجي وسعادتي، وعكّره كثيراً وليس قليلاً، كنت أتمنى أن يبقى الجو في سوريا كما أمسى عليه بعد سقوط النظام بالأشهر الثلاث الأولى، الكل منتشٍ بسكرة الفرح، أن سوريا تخلصت من النظام الذي ترك البلد مدمراً على أكثر من صعيد، فآثار الحرب تتجسد فيه بأكثر من وجه، وكان الأمل كبيراً باستعادة الحياة".

a95bf7fef9.jpg

هل عدت من سوريا مكتنزةً بالتفاؤل أم بالتشاؤم، ولماذا؟

تجيب المصري قائلة: "عدت من سوريا بتفاؤل طبعاً، لأن لا يحق لي أن أتشاءم، من أجل كل الناس الذين ارتقت أرواحهم خلال الحرب، من أجل الأصدقاء من كل أطياف الشعب السوري. فأنا في الواقع لم يكن لدي إحساس بأي صبغة دينية للثورة التي أُنْجِزَت، ولم أكن ضد الرئيس الذي هرب لأنه من طائفة محددة، وكنت مع أي رئيس يأتي ليحكم سوريا، أي رئيس ينقل أو يأخذ سوريا لبر الأمان. فلو كان أبي الرئيس وكان ظالماً لوقفت ضده، تلقينا في البيت تربية لم تعلمنا التفرقة بين أطياف المجتمع، وجيلنا لم يتعلم ألفاظاً تدل على تلك الأطياف".

60aabe0dc8.jpg

الكتب دعوة للمحبة

ما الذي ترغبين فيه أن يتحقق في سوريا الجديدة عامة، وعلى صعيد الكتاب خصوصاً بما أن إصداراتك الشعرية لم يفسح لها النشر في سوريا؟

تعبر المصري عن أمنيتها قائلة: "أتمنى أن يستتب الأمن في سوريا، حتى تستطيع الناس العودة لبلدها وتتوافر لهم قدرتهم على الحلم والبناء والفرح، كما الفرح الذي اشتعل بقلوبنا في أول الثورة، وأول تحرير البلد من العصابة التي هربت. أتمنى أن تتنفس الناس في بلدي حريتها بشكل جيد ويتخلصوا من إحساسهم بالسجن الذي كانوا يعيشون فيه، وأن يشعروا بكرامتهم، وأن تنتهي إلى غير رجعة حاجتهم للهجرة وركوب المخاطر بالهجرة بوساطة زوارق غير آمنة، وأن تستعيد سوريا شيئاً فشيئاً غطاءها من الغابات التي احترقت. وأن تنشط حركة إصدار الكتب عن مؤسسات القطاع العام سواء كانت وزارة الثقافة أم اتحاد الكتّاب العرب، وأن أطبع كتبي في دمشق بدون رقابة عليها وعلى الكتب عامة، فنتاجنا الأدبي سواء كان شعراً أم قصة أم رواية أم جاء في أي جنس آخر، لا غاية له سوى الدعوة للحب والمحبة".

 

حبذا لو تعيدين لقراء هذا اللقاء حكاية الوحش الضخم الذي كانت ترويها لك أمك، وهل ما زلت تؤمنين بقدرة الكلمة على التهذيب، التي تشبه قدرة "شمحات" امرأة ملحمة جلجامش التي هذبت أنكيدو؟

 

تلفت المصري إلى أنها لا تزال مؤمنة بأن الكلمة قادرة على تغيير العالم، قائلة: "أؤمن أن الشعر قادر على أن يليّن قلوب الوحوش، وأن يغير مسار التاريخ. الآن أنا أعدّ كتاباً هو مزيج من الحكايا التي كنت أسمعها وأنا طفلة، وسأروي كيف أثرت على القسم الكبير من التخييل عندي. أقول للأطفال اللذين يأتون إلى حصتي حتى أعلمهم الشعر، أعلمهم لماذا نكتب شعراً ولماذا نقرأ قصائد، ولماذا نرقص ولماذا نعزف الموسيقى، أعلم الأطفال أن يجلسوا 5 دقائق للتفكير والتأمل، أساعدهم على القبض على هذه الفرصة، كما أساعد النساء على القبض على هذه الفرصة بعيداً عن شغل المطبخ وغسيل الأطباق، أن يكن مع عالمهن الداخلي وأن يحاولن أن يكبّرن هذا العالم ويوسعنه، فالخيال مثل المطاط، كلما شددناه صار أرحب، والكتابة أيضاً هكذا، وكذلك الفكر. فإذا ظللنا محبوسين داخل منظور واحد بدون محاولة تطوير فكرنا، ستصبح حالتنا مثل العصافير الموجودة بقفص أسود مظلم، تتخبط من جهة لجهة، وقد تكون بالقرب من الباب ولا تراه. عندما كنت صغيرة كانت أمي تحكي لي كثيراً، وهذا طبعاً أثّر على كتابتي، فحكت لي عن وحش كبير، كان يركض في هذه الأرض بأقدام كبيرة وبأيادٍ ضخمة، يركض ويكسر ويحكم الجوامع، الكنائس، المدارس، المستشفيات، خُلِقَ على أن يكسر ويدمر، محكوم هو بهذه المهمة، محكوم بفعل الشر، وإذا غيّر طبيعته يموت! إذا عاد للوراء، يموت، إن التفت لليمين يموت، وإن التفت لليسار يموت، محكوم أن يظل راكضاً، لكن عندما تظهر أمامه امرأة وتكلمه بصوت لطيف، تغني له، تتلو على مسامعه قصائد جميلة، قلبه يبدأ باللين، تحكي له عن أولادها، وتخبره أنه يمكن أن يصبح أفضل ويفرح إن عمل خيراً، تحكي له عن عذابها وعن ألمها، وترجته بقصائد وبأغانٍ لأجل أن لا يحطم بيتها، لامست شغاف قلبه، فتراجع ومات. هذه الحكاية أفادتني بأن أتنبه وأعرف دور الشعر والفن عموماً والتغيير الذي يمكن من خلال الفنون. في الحكاية لا يوجد موت فقط بل ولادة أيضاً، ولادة للآخرين".

510f49e3ba.jpg

ما الذي تغيّر بمفهوم الشعر لديك بعد الإقامة في مجتمع مختلف؟

تؤكد المصري أن "للمكان تأثيره على مفهوم الشعر والأداة التعبيرية، لكنني لم أشعر بهذا الاختلاف الكبير في المجتمع الأوروبي، يمكن لأني كنت أعيش في سوريا على الطريقة الأوروبية، وهذا ليس فخراً، لكنه واقع حياتنا، كنا نعيش مع كتب أدباء أوروبيين، وقليلة هي قراءاتنا من الآداب الشرقية، وأنا أتأسف كثيراً لأنني لم أدخل باب الكتابة من الباب العريض للغة العربية، وربما لو تحقق لي ذلك لكان عندي أدوات أقوى، واختلفت عندي مسائل كثيرة، وربما كنت كتبت شيئاً آخر، لكن بالمحصلة هذا أنا هي المرأة التي أكتبها والتي أعيشها".

feed3fdb47.jpg

الشعر خدمة للآخرين

هل حدث وأن أصابك اليأس منالشعر،وإلى ماذا تمضين نحو الترجمة مثلاً، أم نحو الكتابة في حقل آخر؟

تجيب المصري "نعم فقدت الأمل بالشعر وأكثر من مرة، لكنني أشعر لأنني شاعرة فالشعر يجبرني على أن أخدم الآخرين، على أن أوسّع مجال اهتمامي، فالشعر هو أن أكتب ليس عن حالي فقط بل وعن الآخرين أيضاً بقلمي. في حين أن الترجمة هي نقل فكر الآخر، أن أساعد على معرفة الآخر. هما طبعاً عملان متشابهان، لكن كل عمل من زاوية مختلفة، ولا أشعر أنني خنت الشعر عندما أترجم، ولا العكس، أي أنني خنت الترجمة حين كتابة الشعر، أشعر أن أدواتي تكبر وتحاول أن تكتمل".

048690fa23.jpg

أيهما يفرحك أكثر، دعوتك لإحياء أمسية أم نشر قصيدة في منبرٍ له حضوره وانتشاره، ولماذا ؟

تقول المصري: "عندما كنت في سوريا، اقترح عليّ شقيقي منذر وأصدقاء أن ينظموا لي أمسية، لكنني رفضت لأنني لم أكن قادرة على إحياء أمسية، كان عندي حالة تعب، وامتلاء بالوقت نفسه، قراءاتي الشعرية هي دائماً عملي، أنا أعيش على القراءات، وأكون متفاعلة جداً حين القراءة، فأنا أحتاج للمسألتين، أحتاج أن أكون على منصة، وأحتاج أن أكون موجودة أيضاً بكتب مهمة".

بين عملك في ترجمة الشعر وترجمة شعرك إلى أكثر من لغة (حبذا لو تعددين لنا ما الذي ترجم لك وإلى أي اللغات، والكتب التي قمت بترجمتها)، ما الحدائق التي تزرعينها، أو تُزرع لك؟

"أنا أشتغل بالترجمة لأنها الطريق لأتفاعل به وأخدم الآخرين، أغلب ترجماتي التي أنجزتها، ترجمات غير مدفوعة الأجر، مثل أنطولوجيا للنساء العربيات، أنطولوجيا الشاعرات الكرديات، أنطولوجيا للشعراء السوريين، ديوان لأخي منذر، كلها أعمال رغبت في أن أقدمها وأساهم في انتشارها، وفي إيصال أصواتها، لأقول لهم كم أنا أحبهم، وإنهم يستطيعون الاعتماد عليّ. أما بالنسبة لي فقد تُرجمت أشعاري لـ20 لغة، منها لخمس لغات في الهند، وللغة الصينية، للألبانية، للإيطالية، للإسبانية، للإنجليزية، للتركية للإيرانية، للأفغانية. وبما أن كل الشاعرات والشعراء يتمتعون اليوم بانتشار كتبهم عبر الإنترنت، فتأتيني رسائل تعبّر عن حبها لشعري وتستأذن ترجمته، وهذا يسعدني ويدفعني للموافقة فوراً، ومنها أسماء كبيرة في مقامها الأدبي، لكن يصعب على ذاكرتي استحضار كل الأسماء، فمعذرة منهم".

cad2ed8db3.jpg

منذر معلّم كريم

كيف تنظرين اليوم لشعر شقيقك منذر وهو من الأوائل الذين كتبوا قصيدة النثر في سوريا بعد جيل الروّاد، وفق الناقد محمد جمال باروت في كتابه النقدي الهام "الشعر يكتب اسمه"، وهل تعتقدين أن تجربته نالت ما تستحقه من مقاربة نقدية؟

تجيب المصري قائلة: "أنا أعتبر منذر معلمي ومعلم الكثير من الشعراء الحداثيين، منذر لم يأخذ حقه من الاهتمام، وباعتقادي هو يستحق أكثر بكثير مما ناله، أعزو ذلك ربما لاختياره بالبقاء داخل سوريا وسط أجواء الحرب، وهذا قد منع عنه التواصل مع هيئات ثقافية عالمية، لقد ترجمت له ديوانه، وكتب عنه الوزير جاك لونغر، وكتب له رسالة حلوة. منذر معلم كريم هادئ يأخذ بيد الناس ويخدمهم، لكن مع الأسف الكثير منهم جحدوا بذلك. تجربة شقيقي منذر غنية جداً وإنسانية، أتمنى أن تنال الاهتمام الذي تستحقه أدبياً وإنسانياً".

6f3e15ca54.jpg

مؤلفات مرام المصري

  • "أنذرتك بحمامة بيضاء" 1984 بالاشتراك مع الشاعرين منذر المصري والراحل محمد سيدة.
  • "كرزة حمراء على بلاط أبيض" 1997 دار تبر الزمان للطباعة والنشر في تونس.
  • "أنظر إليك" عن الشركة اللبنانية للطباعة والنشر في بيروت العام 2000.
  • "العودة" صدر باللغتين العربية والإسبانية عن دار إسكريتو الإسبانية.
  • "من نبع فمي" عن دار برونو دوسية.
  • "أرواح حافية الأقدام" عن دار تامب دو سيريز Le Temps des cerises في العام2009.

يذكر أنه صدر من شعرها أكثر من عشرين ديواناً مترجماً إلى لغات عدة.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق