الاعتراف الدولي بفلسطين.. ما المطلوب من العرب؟! - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الاعتراف الدولي بفلسطين.. ما المطلوب من العرب؟! - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء الموافق 3 سبتمبر 2025 10:37 صباحاً

كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني - 

يعيش الفلسطينيون اليوم مشهدًا مزدوجًا يحمل الأمل والخذلان في آنٍ واحد. فمن جهة، تتسع رقعة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية وآسيا، حتى باتت عشرات الدول تُعلن رسميًا أن لهذا الشعب الحق في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. الاعتراف الدولي ليس أمرًا عابرًا، فهو شهادة تاريخية بوجود الشعب الفلسطيني، وصفعة في وجه الرواية الصهيونية التي أنكرت وجوده لعقود. كما أنه يفتح المجال أمام الفلسطينيين لملاحقة الاحتلال في المحاكم الدولية، ويزيد من عزلة إسرائيل على المستوى الأخلاقي والسياسي.

لكن هذا الأمل سرعان ما يُطعن بخنجر الخذلان ويتلاشى. فالمجتمع الدولي الذي يرفع شعار التضامن مع فلسطين عاجز عن وقف النار في غزة ووقف شلال الدم الفلسطيني او وقف المجاعة التي صنعها الإحتلال، أو كبح الاستيطان المتسارع في الضفة الغربية ووقف قرارات الإحتلال بضم الضفة الغربية. قرارات المجتمع الدولي لصالح الحق الفلسطيني تُجهض دائمًا بالفيتو الأمريكي، ومواقفه لا تتعدى بيانات الشجب والاستنكار. وهنا تتجسد الصورة التي وصفها الفرزدق للإمام الحسين بن علي رضي الله عنه وهو في طريقه إلى الكوفة: "تركت الناس قلوبهم معك، وسيوفهم عليك"، وكأن حال فلسطين اليوم هو ذاته؛ قلوب العالم تنبض مع قضيتها، لكن سيوفه السياسية والعسكرية والعملية مسلطة عليها.

ما قيمة اعتراف العالم بفلسطين إن كانت إسرائيل تعلن في الوقت نفسه عن ضم الضفة وتصفية السلطة؟ وما جدوى هذا الاعتراف إذا كانت واشنطن تغلق أبواب الأمم المتحدة في وجه القيادة الفلسطينية؟ إنها ازدواجية فاضحة تجعل الاعتراف يبدو أحيانًا وكأنه ستار مقصود لتغطية العجز عن مواجهة الإحتلال.

الحقيقة التي لا مفر منها أن الاعتماد على "الضمير العالمي" وحده لا يكفي. فالتجربة أثبتت أن هذا الضمير قد يستيقظ لحظات لكنه سرعان ما يعود إلى سباته، وإذا استيقظ وقرر فإنه يعجزعن فرض قراراته. هنا يأتي الدورالعملي للدول العربية والإسلامية، التي يقع على عاتقها واجب تاريخي وأخلاقي، ومن ذلك: استخدام أدوات الضغط السياسي والاقتصادي ووقف أشكال التطبيع مع الاحتلال وتجميد الإتفاقيات معه؛ إحياء سلاح المقاطعة وذلك بمقاطعة منتجات الشركات الداعمة لدولة الكيان وتفعيل البدائل المحلية والإسلامية؛ دعم صمود الفلسطينيين مباشرة عبر مشاريع إسكان وتعليم وصحة بدلًا من انتظار مساعدات مشروطة من الغرب؛ تنسيق المواقف في المحافل الدولية مثل تقديم ملفات قانونية مشتركة ضد الاحتلال في المحاكم الدولية وخلق لوبي ضاغط داخل الأمم المتحدة؛ والأهم من ذلك كله، دعم المقاومة بكافة أشكالها عسكريا وسياسيًا وإعلاميًا وقانونيًا باعتبارها حقًا مشروعًا لشعب تحت الاحتلال.

في الختام، فلسطين لن تتحرر بالبيانات ولا بالاعترافات الرمزية وحدها، بل بالصمود على الأرض وتغيير موازين القوى. الاعتراف الدولي يبقى مهمًا، لكنه يحتاج إلى أن يتحول إلى قرارات عملية: عقوبات ومقاطعة وضغوط سياسية وعسكرية. بدون ذلك، سيبقى العالم يردد "نحن معك" بينما يترك فلسطين تواجه مصيرها وحدها. فلسطين اليوم بين قلوب العالم وسيوفه؛ بين اعتراف متزايد وصمت مريب. ومهما اتسعت رقعة الاعتراف، فلن تكتمل جدواه إلا إذا تحول إلى فعل رادع، تدعمه أمة ترفض أن تكون مجرد متفرج على مسرح التاريخ. إن إنقاذ فلسطين يبدأ من داخلنا، قبل أن ننتظره من الآخرين.

 

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق