نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: بوابة الجحيم تشتعل في قارة آسيا .. سر الفوهة المشتعلة منذ أكثر من نصف قرن - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025 10:39 مساءً
في قلب صحراء كاراكوم القاحلة، التي تشكّل نحو 70% من مساحة تركمانستان، يسطع وهج غريب لا ينطفئ منذ أكثر من خمسين عامًا، بين الكثبان الرملية الممتدة على مساحة 350 ألف كيلومتر مربع، تقبع حفرة ملتهبة تُعرف باسم "بوابة الجحيم"، أو فوهة دارفازا، التي اشتعلت نيرانها عام 1971 وما زالت متوهجة حتى اليوم، لتصبح واحدة من أعجب الظواهر الجيولوجية في العالم.
منطقة أشبه بجحيم الآخرة
45.89.241.160
هذه الحفرة المشتعلة التي يراها البعض معجزة طبيعية، بينما يصنّفها آخرون كخطأ بشري كارثي، تحولت مع مرور الوقت إلى معلم سياحي بارز، يجذب آلاف الزوار لمشاهدة مشهد النيران المهيبة وسط الصحراء، خاصة في ساعات الليل حيث يضيء اللهب السماء ويخلق مشهداً مهيباً لا يُنسى.
لغز لم يُحسم بعد
رغم مرور أكثر من نصف قرن على ظهور الفوهة، لا تزال أصولها يكتنفها الغموض، وبعض الجيولوجيين يرجحون أنها تشكلت طبيعياً في أواخر الستينيات، وظلت تبث الغاز والطين لسنوات قبل أن تشتعل النيران فيها في الثمانينيات.
لكن الرواية الأكثر انتشاراً تعود إلى عام 1971، عندما أطلق الجيولوجيون السوفيات عمليات تنقيب في المنطقة بحثاً عن النفط. أثناء الحفر، انهارت التربة فجأة تحت معداتهم لتظهر حفرة ضخمة بقطر 70 متراً وعمق 30 متراً، مكوِّنة كهوفاً غنية بالغاز الطبيعي.
وبسبب تدفق كميات هائلة من غاز الميثان – وهو عديم اللون والرائحة، قابل للانفجار ويمكن أن يحل محل الأكسجين – لجأت السلطات السوفياتية إلى إشعال النيران عمداً في محاولة للسيطرة على الانبعاثات، وكان الاعتقاد أن الحفرة ستنطفئ خلال أيام أو أسابيع، لكن ما حدث أنها ظلت مشتعلة بلا توقف حتى يومنا هذا.
"بوابة الجحيم".. بين العلم والأسطورة
وصف علماء الجيولوجيا الحفرة بأنها ظاهرة صناعية - طبيعية في الوقت ذاته. الطبيعة وفرت الغاز، بينما البشر صنعوا المشهد الملتهب، مارك أيرلاند، أستاذ جيولوجيا الطاقة في جامعة نيوكاسل، قال في تصريح سابق:
"من أكثر الأمور المثيرة بشأن هذه الفوهة قلة المعلومات الدقيقة عنها، فكل ما يتعلق بالنفط والغاز في الحقبة السوفياتية كان سرياً للغاية".
هذا الغموض جعل "بوابة الجحيم" مادة خصبة للروايات الشعبية والأساطير، إذ يرى البعض أنها "مدخل إلى الجحيم"، بينما يعتبرها آخرون دليلاً على قوة الطبيعة وغضبها من تدخل الإنسان في باطن الأرض.
معلم سياحي وسط الصحراء
منذ استقلال تركمانستان عام 1991، تحولت الحفرة من إرث ثقيل للعهد السوفياتي إلى مزار سياحي عالمي. فالزوار يتدفقون إلى المنطقة رغم صعوبة الوصول إليها لمشاهدة المشهد الليلي المبهر، وصور الأقمار الصناعية والتغطيات الإعلامية زادت من شهرتها، حتى أدرجتها مجلات عالمية ضمن قائمة أغرب الأماكن على وجه الأرض.
السياح عادة ما يقيمون المخيمات بجوار الحفرة، يلتقطون الصور، ويتأملون النيران المتصاعدة التي يمكن رؤيتها على بعد كيلومترات، وقد ساهمت هذه الشعبية في تعزيز اقتصاد السياحة بالبلاد، رغم أن الموقع يثير قلق العلماء بسبب تأثيراته البيئية المستمرة.
تحديات بيئية ومخاطر المناخ
ورغم جاذبيتها السياحية، فإن "بوابة الجحيم" تمثل كارثة بيئية، فالميثان – وهو المكوّن الأساسي للغاز المنبعث – يعد أحد أقوى غازات الاحتباس الحراري، حيث تفوق قدرته على حبس الحرارة في الغلاف الجوي 25 مرة قدرة ثاني أكسيد الكربون.
تقديرات بيئية تشير إلى أن الفوهة تطلق كميات هائلة من غازات الدفيئة سنوياً، ما يجعل تركمانستان واحدة من الدول الأكثر تسريباً للميثان عالميًا، وهذا أثار مطالبات دولية متزايدة بضرورة إخماد النيران للحد من أضرار تغير المناخ.
محاولات الإخماد.. معضلة معقدة
منذ سنوات، أبدت السلطات التركمانية رغبة في إغلاق الحفرة، ففي عام 2010، أصدر الرئيس السابق قربان قولي بردي محمدوف أوامر بإيجاد حل نهائي، وتبعه نجله الرئيس الحالي سيردار محمدوف في 2022 بقرار رسمي لإخمادها، باعتبارها تستنزف موارد البلاد من الغاز وتضر بالبيئة.
لكن التنفيذ ليس بهذه السهولة، فإطفاء الحفرة يتطلب أولاً إخماد النيران، ثم منع تسرب الغاز من مصدره الجوفي، وبعض المقترحات شملت استخدام الإسمنت سريع الجفاف لخنق اللهب، بينما حذر خبراء من أن ذلك قد يدفع الغاز للتسرب من شقوق أخرى، ما يزيد المشكلة تعقيداً.
الأكثر خطورة أن أي عملية حفر أو محاولة غير دقيقة قد تتسبب بانفجار ضخم، وحتى استخدام طرق تقليدية لإغلاق آبار الغاز – مثل التفجيرات الصناعية – قد لا يكون عملياً أو آمناً هنا، لذا، يرى البعض أن الحفرة ربما تنطفئ بشكل طبيعي يوماً ما مع نضوب الغاز، وهو سيناريو يظل الأكثر واقعية حتى الآن.
مغامرات علمية وسط النيران
لم يتوقف العلماء عن محاولة دراسة هذه الظاهرة الفريدة، ففي عام 2013، قاد المستكشف الكندي جورج كورونيس أول بعثة بحثية إلى قلب الفوهة، حيث نزل ببدلة مقاومة للحرارة لجمع عينات من باطنها، النتائج كانت مذهلة؛ فقد اكتشف وجود بكتيريا نادرة قادرة على العيش في درجات حرارة مرتفعة للغاية، وهو ما فتح الباب أمام أبحاث عن احتمالية وجود حياة في بيئات قاسية مشابهة على كواكب أخرى.
مستقبل "بوابة الجحيم"
اليوم، تبقى فوهة دارفازا رمزاً للتناقض بين جمال الطبيعة وقسوتها، بين فضول السياح ومخاوف العلماء، فهي معلم يجذب الأنظار، لكنها في الوقت نفسه تذكير دائم بتأثير الأنشطة البشرية على البيئة.
ورغم أن فكرة إطفاء الحفرة تبدو منطقية بيئياً واقتصادياً، إلا أن المخاطر التقنية والجيولوجية تجعل الحل بعيد المنال، حتى ذلك الحين، ستظل "بوابة الجحيم" متوهجة، شاهداً على قصة لم تكتمل بعد، وسرّاً يحير العلماء والمسافرين على حد سواء.
0 تعليق