الجامعة الأردنية في 63 عاماً… ذاكرة وطن ورسالة عمر - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الجامعة الأردنية في 63 عاماً… ذاكرة وطن ورسالة عمر - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء الموافق 3 سبتمبر 2025 01:06 صباحاً

 

منذ تأسيسها عام 1962، حملت الجامعة الأردنية على عاتقها أن تكون منارة للعلم، ومختبراً للأفكار، وبيتاً للأجيال المتعاقبة. وفي عيدها الثالث والستين، تبدو هذه المؤسسة العريقة كأنها مرآة لتاريخ الأردن الحديث كله، إذ تختزن بين جدرانها حكايات طلاب أصبحوا قادة، وأساتذة كرسوا أعمارهم للعلم، وباحثين صنعوا من المعرفة جسراً بين الوطن والعالم. ولأنني عشت أكثر من خمسة وأربعين عاماً في رحابها، فإن شهادتي اليوم ليست مجرد كلمات احتفالية، بل هي رسالة انتماء ووفاء لبيتٍ شكّلني كما شكّل آلاف غيري.

حين يكتب الإنسان عن بيته الثاني، يغدو الكلام أشبه باعتراف وجداني عميق أكثر مما هو مقال صحفي أو شهادة عابرة. والجامعة الأردنية، في عيدها الثالث والستين، ليست مجرد صرح علمي شاهق في قلب العاصمة، بل هي الذاكرة الحية لمسيرة وطن، والعنوان الأكبر لعشرات الآلاف من الطلبة الذين عبروا قاعاتها إلى المستقبل. ولأنني عشت أكثر من خمسة وأربعين عاماً في رحابها، طالباً وأستاذاً وباحثاً وإدارياً، فإن ما تعنيه لي يتجاوز حدود الانتماء الأكاديمي، لتصبح جزءاً من تكويني الشخصي والفكري والوطني.

لقد دخلت الجامعة الأردنية وأنا طالب شاب أحمل حلماً ككل أبناء جيلي، فوجدت فيها الأفق الرحب، والمكتبة التي تفتح أمامي أبواب العالم، والأساتذة الذين كانوا قدوة ومعلمين، والطلبة الذين شاركوني شغف السؤال والتطلع. كانت البداية هناك، حيث تعلمت أن العلم ليس ترفاً ولا تذكرة عابرة، بل رسالة ومسؤولية، وأن من يختار هذا الطريق إنما يختار أن يكرّس حياته لخدمة الإنسان والوطن.

ومع الزمن، انتقلت من مقعد الطالب إلى منصة الأستاذ، وهناك أدركت أن الأمانة أكبر وأثقل. لم يعد دوري أن أتعلم فقط، بل أن أزرع ما تعلمته في عقول وقلوب جيل جديد. ومنذ ذلك الحين، صارت الجامعة الأردنية بالنسبة لي فضاءً أوسع من وظيفة، إنها حاضنة للمعرفة، ومختبر لصناعة القيم، ومنبر لتشكيل وعي الأمة. وقد كانت لحظات الفخر الكبرى في حياتي حين رأيت طلابي ينجحون، يكتبون رسائلهم العلمية، ويغادرون القاعات ليصبحوا قادة في مواقعهم، باحثين وممارسين ومهنيين، يحملون عنّا شعلة العلم ليمضوا بها إلى الأمام.

إلى جانب الطلبة، كان زملائي الأساتذة جزءاً من الرحلة. معاً تقاسمنا مسؤولية العطاء، وجلسنا في مجالس الجامعة نخطط ونناقش ونختلف ونتفق، ولكننا نتفق دائماً على أن الجامعة أكبر من كل فرد، وأن رسالتها أسمى من كل لقب أو منصب. الجامعة الأردنية جمعتنا تحت سقفها كأبناء بيت واحد، نكمل بعضنا بعضاً، ونبني معاً صورة هذا الصرح الوطني الذي لا ينفصل عن مسيرة الدولة كلها.

وفي هذه المناسبة العزيزة، أجدني أقول إن الجامعة الأردنية لم تكن مجرد مكان علّمني واحتواني، بل كانت مصنعاً لهويتي الأكاديمية، وأفقاً لوعيي الوطني. فيها كتبت بحوثي الأولى، ومنها خرجت كتبي العشرة التي صارت مراجع للطلبة والباحثين، وفيها أشرفت على عشرات الرسائل العلمية، وشهدت وجوه سبعين طالباً وطالبة يضعون أمامي ثمار جهدهم في رسائل الماجستير والدكتوراه. ومن خلال مواقع القيادة التي تقلدتها، سواء في وزارة التعليم العالي أو الجامعات الوطنية، كانت الجامعة الأردنية هي المرجعية، هي النموذج الذي نقيس عليه، وهي البوصلة التي تعيدنا إلى جوهر الفكرة: أن التعليم رسالة قبل أن يكون مهنة.

اليوم، ونحن نحتفل بمرور ثلاثة وستين عاماً على تأسيسها، أستطيع أن أقول إن الجامعة الأردنية هي أكثر من مؤسسة أكاديمية، إنها ذاكرة وطنية تختزن قصة الأردن الحديث كله. من مقاعدها انطلق الباحثون والأطباء والمهندسون والمعلمون والقادة، ومن قاعاتها خرجت السياسات والرؤى والأفكار، وهي ما تزال، بعد ستة عقود ونيف، تزرع الأمل في كل جيل جديد يدخل أبوابها.

رسالتي إلى جامعتي في عيدها أن تظل منارة لا تنطفئ، وأن تبقى وفية لرسالتها كما كانت منذ لحظة التأسيس الأولى. ورسالتي إلى طلبتي وزملائي أن يحملوا عنّا هذا الإرث العظيم بأمانة، وأن يواصلوا الطريق بثقة وإصرار، لأن التميز لا يُقاس بلقب أو جائزة، بل بما نتركه من أثر في طلابنا وفي مجتمعنا. إن الجامعة الأردنية بعد ثلاثة وستين عاماً ما تزال قادرة على أن تعلّمنا درساً بليغاً: أن العلم وحده هو الطريق إلى المستقبل، وأن الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها وعقولهم النيرة.

هكذا أرى جامعتي، وهكذا أفتخر أنني كنت جزءاً من مسيرتها. لقد أعطتني الجامعة الأردنية هوية ومساراً وحلماً، وأعطيتها عمري وجهدي ووفائي. واليوم، في عيدها الثالث والستين، أجد أن أجمل ما يمكن أن أقوله هو أن هذه الجامعة لم تترك في حياتي فراغاً، بل ملأتني بالمعنى، وجعلت من مسيرتي الأكاديمية قصة انتماء متواصل، لا تنتهي بانتهاء وظيفة ولا تتوقف عند حدود لقب، بل تبقى ممتدة ما دام في القلب نبض وما دام في العقل شغف بالعلم.

ا د هاني الضمور

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق