شباب الأردن بين التحدي والفرصة: من أرقام البطالة إلى هندسة التشغيل - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: شباب الأردن بين التحدي والفرصة: من أرقام البطالة إلى هندسة التشغيل - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 9 سبتمبر 2025 12:47 مساءً

في الأردن ما تزال الأرقام تختبر الصبر وتضع الحكومات المتعاقبة أمام تحديات كبرى، فمعدل البطالة الإجمالي بلغ 21.3% في الربع الأول من عام 2025 بحسب دائرة الإحصاءات العامة، ورغم أنه تراجع طفيفًا عن العام الماضي إلا أن الحقيقة تبقى صادمة حين نتأمل واقع الشباب، حيث وصلت بطالة الفئة العمرية (15–24) إلى أكثر من 41% عام 2024 وفق بيانات البنك الدولي، بل تقارب النصف تقريبًا في بدايات العمر المهني كما أشار البنك المركزي في تقريره الأخير. هذه الأرقام ليست عابرة وإنما تكشف اختلالًا عميقًا في قدرة السوق على استيعاب الوافدين الجدد، وتعكس فجوة حقيقية بين ما يتعلمه الشباب وما يحتاجه أصحاب العمل، خصوصًا مع بقاء مشاركة النساء من الأدنى في المنطقة.

في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير الدولية الحديثة مثل تشخيص البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لعام 2025 ومعهد النمو العالمي أن بطالة الشباب تمثل تحديًا سياسيًا واقتصاديًا متصاعدًا، وأن النمو الحالي بحدود 2.7% كما تم الاشارة اليه من الوزير شحادة فإنه لا يزال غير كافٍ لاستيعاب قوة العمل الشابة، الأمر الذي يتطلب إصلاحات هيكلية تبدأ من مواءمة المهارات وتنتهي بتحفيز بيئة الأعمال وخفض الكلفة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وفي هذا السياق تبدو التحديات المحلية واضحة: تفضيل القطاع العام وظيفيًا مع محدودية التوظيف الفعلي، هيمنة المشروعات الصغيرة بقدرة تدريب محدودة، ارتفاع كلفة التشغيل والتمويل، ضعف اتساق مخرجات التعليم والتدريب مع حاجات القطاعات الحديثة كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة، والأهم عدم قدرة الحكومة على ايجاد بيئة استثمارية مشجعة لترسيخ صناعة انتاجية راشدة وأسس لقطاع تجاري مشغل وأخيرًا محدودية مشاركة النساء التي تعيق الاقتصاد من الاستفادة من نصف طاقاته.

مع ذلك فإن العالم لا زال يقدم نماذج عملية يمكن الاستفادة منها، فقد أثبت النظام المزدوج في ألمانيا أن الدمج بين الدراسة الصفية والتدريب المأجور في الشركات يحوّل الطالب إلى عامل جاهز من اليوم الأول، كما أظهرت تجربة كولومبيا "Jóvenes en Acción” أن ربط التمويل بنتائج التوظيف لا بالأنشطة وحدها يقود إلى تحسن مستدام في الدخل والالتحاق بالوظائف الرسمية، فيما طورت جنوب أفريقيا من خلال برنامج "Harambee” منصة رقمية ذكية تربط الشباب بأصحاب العمل عبر اختبارات قصيرة وشارات مهارية موثوقة قللت من كلفة المعلومات وفتحت فرصًا جديدة أمام الفئات الأقل حظًا.

عند إسقاط هذه التجارب على الأردن فإن الطريق يبدأ بخطوات صغيرة قابلة للتوسع، فيمكن إطلاق برامج تدريب قطاعية محدودة في الطاقة والسياحة والخدمات اللوجستية وتكنولوجيا المعلومات عبر شراكات مباشرة مع شركات محلية في الألوية والمحافظات، بحيث يتولى المانحون التمويل الصفّي فيما توفر الشركات تدريبًا عمليًا مأجورًا لفترة قصيرة، وتُوقع اتفاقات تعلم واضحة تضمن الحقوق وتحدد المهارات المعيارية المطلوبة. وبالموازاة ينبغي اعتماد التعاقد القائم على النتائج بحيث تُصرف دفعات مزوّدي التدريب بعد التأكد من إتمام التدريب والاحتفاظ بالوظيفة لستة أشهر على الأقل، وهي مقاربة أثبتت نجاحها في كولومبيا لأنها غيّرت سلوك المزوّدين نحو الجودة الفعلية.

إلى جانب ذلك يمكن للأردن أن يطلق منصة وطنية للمطابقة الذكية تستلهم تجربة "Harambee” وتتيح ملفات مهارات واختبارات كفاءات رقمية منخفضة الكلفة وشارات مهارية تعرض مباشرة أمام أرباب العمل، وتُدمج هذه المنصة مع قواعد بيانات ديوان الخدمة وصندوق التنمية والتشغيل لتقليل المخاطر على الشركات الصغيرة والمتوسطة. أما الحوافز المالية فينبغي أن تكون مشروطة بالاستبقاء والإنتاجية بحيث تحصل الشركات على دعم أجر جزئي أو حسم ضريبي محدود المدة مقابل الاحتفاظ بالشباب وإثبات تحسن في الأداء، مع شفافية كاملة في تتبع أثر الدعم المالي العام على التشغيل.

ولا يمكن إغفال ضرورة معالجة معوقات مشاركة النساء عبر النقل الآمن للدوام المسائي، والحضانات التشاركية في المناطق الصناعية، وتوسيع العمل المرن والهجين في القطاعات الرقمية القابلة لذلك، وهو ما يرفع المشاركة ويعزز دخل الأسر. كما يمكن للأردن أن يستثمر في الوظائف الخضراء الكثيفة العمل محليًا مثل صيانة شبكات المياه وتحسين كفاءة الطاقة وتشجير الأراضي الجافة، وهي أنشطة ثبت عالميًا أنها توفر فرصًا سريعة وقابلة للنمو وتؤسس لمسارات مهنية أطول.

الا أن النجاح في كل ذلك مشروط بقياس الأثر بشفافية، فلا بد أن تُعلن مؤشرات بسيطة مثل نسبة التوظيف خلال ستة أشهر من نهاية البرنامج، ومعدل الاستبقاء بعد عام، ومستوى الراتب، ونسبة الشركات العائدة للمشاركة، وكلفة خلق فرصة العمل الواحدة، ونسبة مشاركة النساء والشباب خارج المدن الكبرى، فهذه الأرقام وحدها هي التي تحول البرامج من شعارات إلى أدوات للمساءلة والإنجاز.

ان خطورة الواقع تفرض أن يبدأ الأردن بمشروعات نوعية مدروسة صغيرة لكل مسار، تضم بضع مئات من الشباب فقط ولمدة عام واحد، مع متابعة دقيقة للنتائج والتوسع تدريجيًا وفق الدروس المستخلصة، فبهذا النهج فقط تتحول البرامج من خطط على الورق إلى عقد اجتماعي جديد يربط الدولة التي تضمن المنصات والحوكمة، والقطاع الخاص الذي يفتح مقاعد تدريب ووظائف، والشباب الذي يقدم الجهد والانضباط. عندها يصبح الحديث عن استيعاب الطاقات الشابة حقيقة ملموسة، ويتحول منحنى البطالة من خبر موسمي مقلق إلى قصة تحول وطني يوزع فرصه بعدالة على كل المحافظات والفئات.

بهذا الشكل يمكن القول إن الأردن لا يكتفي باستيعاب طاقات الشباب بل يحولها إلى قيمة مضافة تحمي المجتمع وتدفع الاقتصاد إلى الأمام، وتعيد رسم صورة بلد صغير في حجمه، لكنه كبير في قيادته وتنوعه وشبابه وإصراره على تحويل التحديات إلى فرص.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق