نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: غياب تونس وإيران عن التّصويت: دلالات تتجاوز الصّمت - تليجراف الخليج اليوم الأحد الموافق 14 سبتمبر 2025 11:19 صباحاً
وقَد كانت الّنتيجة: 142 دولة تؤيّد، 10 تُعارض، 12 تمتنع، وتغيب 29. ومِن بينِ الدُّول الّتي آثارَ "غيابها" انتباهًا كبيرًا لدى الأوساط السياسيّة الدّولية، وطرَح العديد من الأسئلة، هُما "تونس وإيران". فهاتانِ الدّولتان لَم تسجّلا موقفًا واضحًا، لا تأييدًا ولا اعتراضًا، بل حتى لا امتِناعًا.
ومِن هُنا، فإنَّ غياب تونس وإيران عن التّصويت في الجمعيةِ العامّة للأُمم المُتَّحِدة، بشأنِ الإعلانِ المُتعلِّق بحلّّ الدَّولتين، لَم يكُن مجرّد صُدفةٍ أو تفصيلٍ بروتوكوليّ. ففي لحظةٍ اجتمعَ فيها العالم، بأغلبيّتهِ السّاحقة، خلفَ صياغةٍ تدعو إلى خَطواتٍ"ملموسة، مُحددة زمنيًّا، ولا رجعة فيها" نحو إقامةِ الدّولةِ الفلسطينيّة، بدا تغيُّب البلدين رسالةً بليغة في معناها، حتّى وإن لم تُصرّحَ كُلّ واحدةٍ منهُما بمُبرّراتها.
أول ما يُمكن قراءتُه في هذا الغياب هو التحفُّظ على مضمونِ النّص نفسه. فالإعلان، وإن أكَّد على حقّ الفلسطينيينَ، إلّا أنّهُ قد وازنَ بشكلٍ مُلتبس بينَ الاحتلال الإسرائيليّ ومقاومة الفلسطينيين. إذ وضعَ "الهجمات من الطّرفين" في كفّةٍ واحدة.
فبالنّسبة لإيران، الّتي ترفع شعار دعم المُقاومة، ولتونس، الّتي تخضع لضغوطٍ داخليّة وإقليميّة، قد يُعدّ ذلكَ انتقاصًا من عدالةِ القضيّة أو تشويهًا لمُعادلة الضحيّة والجلّاد.
وثاني ما يكشِفه هذا الغِياب، هو الرّغبة في موقفٍ رمزيّ قوي. لم تُرد طهران ولا تونس أن تُسجّلا تأييدًا لنصٍّ "قد" يُستخدم لاحقًا لتقييدِ مساراتِ المُقاومة أو لإعادةِ إنتاج مسارٍ تفاوضيّ مُفرَغ من جوهرِه. لكنّهُما، في الوقت نفسه، لم تذهبا إلى خانةِ المُعارضة العلنيّة ؛ لئلّا تظهرا كمُعرقِلتين لإجماعٍ دوليٍّ بدا مُتماسكًا. فالغِيابُ هنا، يصبِح موقفًا في ذاتِه: لا تأييدَ يُحسب، ولا اعتراضَ يُستثمَر ضدّهما.
أما من الزّاويةِ الجيوسياسيّة، فإنَّ توقيت الموقف لا يقلّ أهميةً عن مضمونِه. فالتصويتُ على الإعلان جاء عشيّة مؤتمراتٍ دوليّةٍ ترعاها قِوى كُبرى مثل: "فرنسا والسعودية"، وتُتوقّع أن تُمهّد للاعترافاتِ الجماعيّة بالدّولةِ الفلسطينيّة.
إنَّ ترك الموقف مفتوحًا يُتيح لتونس وإيران مساحة مُناورة أكبر، سواء لاستثمار أوراقِهما في تلكَ المحطّات المُقبلة، أو لتجنّب الدّخول في التزاماتٍ لا تستطيعان الوفاء بها.
لكن، مهما كانت الحسابات، فإنّ غياب "تونس وإيران" يُضعِف صورةَ التماسُك العربيّ والإسلاميّ حولَ القضيّة الفلسطينيّة، ويمنح إسرائيل فُرصة للقول "إنّ الإجماعَ الدّوليّ ليس كاملًا، وإنَّ الانقسامات لا تقتَصر على مُعسكرها المؤيّد. وفي المُقابل، قد يراه البعض نوعًا من التشدُّد الأخلاقيّ ؛ رفضًا لنصوصٍ تُساوي بين الضحيّة والجلّاد وتُفرغ فكرَة الحلّ السياسيّ من مضمونها.
في المُحصلة، غياب الدّولتين لم يكن غيابًا عن القاعةِ بقدر ما كان حضورًا بطريقةٍ مُختلِفة. هو حضورٌ بالرّفضِ الضمنيّ، وبالتّشكيك في النُّصوص الّتي قد تُعيد إنتاج مساراتٍ فاشلة. غيرَ أنَّ السؤالّ يبقى مفتوحًا: هل يكفي هذا الغياب لتغيير قواعد اللُّعبة، أم أنّهُ سيُسجَّل كإشارةٍ أخرى على هشاشة الصٍفوف التي تدّعي الانتصارَ لفلسطين؟
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.