مشروع E1 و”نسيج الحياة”: إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية وعزل الضفة الغربية #عاجل - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: مشروع E1 و”نسيج الحياة”: إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية وعزل الضفة الغربية #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 19 أغسطس 2025 08:00 مساءً

رنا الزاغة * 

في المشهد الاستيطاني المستمر في الضفة الغربية، تستمر مشاريع إسرائيل للبنية التحتية كأدوات سياسية وأمنية متقدمة لإعادة هندسة الحيّز الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني، ويبرز "مشروع E1” تجسيدًا لهذه المشاريع بطريقة مباشرة؛ إذ أنه ليس مجرد شبكة طرق لتسهيل حركة الفلسطينيين –كما يُسوّق له– بل يمثل إعادة تشكيل عميق لخرائط السيطرة والسيادة على الأرض، وبما يخدم الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الرامي للدفع نحو التهجير القسري لفلسطينيي الضفة الغربية، أو حتى التضييق عليهم معيشيًا للهجرة نحو الخارج.

منذ منتصف التسعينيات، شكل مشروع E1 – وهو مشروع يهدف إلى تسريع عملية ضم معاليه ادوميم الى القدس وعزل التجمعات البدوية إضافة الى تعميق الفصل الجغرافي والديمغرافي-؛ أحد أكثر المخططات الاستيطانية إثارة للجدل في الضفة الغربية. وقد واجه المشروع لعقود عراقيل وضغوطًا دولية واسعة، خاصة من الاتحاد الأوروبي والإدارات الأمريكية السابقة، بحسب تصريحات عديدة منها تصريح كاجا كالاس رئيس الاتحاد الأوروبي في إن خطة الاستيطان الإسرائيلية لا تتماشى مع القانون الدولي وأنه يمثل تهديدًا مباشرًا لفكرة حل الدولتين، لما ينطوي عليه من تقسيم فعلي للضفة الغربية إلى قسمين منفصلين جغرافيًا، وربما لتأخير الصدام والإبقاء على خيوط أمل لإقامة دولة فلسطينية.

لكن، إلى أي مدى يشكل هذا المشروع نقطة انعطاف في الصراع على الأرض، وما حجم الانعكاسات التي قد يتركها على مستقبل الجغرافيا السياسية في الضفة الغربية والمنطقة الأوسع؟

اليوم، وفي ظل المناخ الجيوسياسي الراهن في الشرق الأوسط والجبهات السبع التي تنشط فيها إسرائيل بالإضافة الى حالة السُعار اللامتناهية لإشعال المزيد من الحروب، تبدو حكومة نتنياهو الحالية أقل اكتراثًا بالمواقف الدولية وأكثر جرأة في فرض الواقع على الأرض، التي وجدت في حالة التراخي والتقاعس الدولية فرصة لتمرير مخططات كانت تواجه سابقًا رفضًا صارمًا، خاصة بعد أن اختبرت إسرائيل عمليًا مخططات سابقة ولم تجد رادع فعلي.

في مقال سابق، تم تسليط الضوء على مشروع "نسيج الحياة” وهو في طوره المفاهيمي، حين لم يكن قد خرج بعد إلى حيّز التنفيذ، مبرزًا الخطورة الكامنة في تفتيت المشهد الجغرافي للضفة الغربية تحت غطاء "تحسين البنية التحتية” حيث صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينيت” في أبريل/نيسان 2025 على المشروع وتم تخصيص ما يقارب 335 مليون شيكل أي ما يعادل 91 مليون دولار من ميزانية المقاصة الفلسطينية.

يبدأ نسيج الحياة بحفر نفق يمتد من الزعيم شمالًا إلى العيزرية جنوبًا، وبدوره سيعمل على ربط المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة وفصل الأحياء الفلسطينية. وقد أُشير حينها إلى ارتباطه الوثيق بمخطط E1، من منطلق أنه يهيئ الأرضية لتسريع عملية الضم عبر إنشاء نفق مخصص للفلسطينيين بين الزعيم والعيزرية، بما يتيح للمستوطنين السيطرة الكاملة على المساحات الحيوية المحيطة. واليوم، ومع الانتقال إلى مرحلة التطبيق الفعلي لمخطط E1، تبرز الحاجة إلى إعادة تأطير المشروع ضمن سياقه السياسي والأمني الراهن، باعتباره جزءًا من منظومة أوسع لإعادة هندسة الجغرافيا الفلسطينية بما يخدم استراتيجية الضم الإسرائيلية.

ينطلق هذا المقال من تلك اللحظة المفصلية، ليعيد قراءة "نسيج الحياة” لا كمخطط هندسي أو فني، بل كممارسة سياسية تمضي في تقويض إمكانات السيادة الفلسطينية، وتوظيف الجغرافيا كحاجز أمني واستيطاني يخدم غايات وظيفية، يُعيد تعريف العلاقة بين الأرض وسكانها الفلسطينيين ضمن معادلة محكومة بالتحكم، لا بالربط أو التنمية.

حيث تشير تصريحات سموتريتش الأخيرة بما يتعلق بالمشروعإلى انتقال السياسة الإسرائيلية في هذا الملف من مرحلة الإعداد إلى طور التنفيذ الفعلي، بما يعنيه ذلك من تثبيت رؤية إستراتيجية قائمة على تفكيك الجغرافيا الفلسطينية وتحويلها إلى جزر معزولة.

هذه الخطوة تمثل تجسيد لنهج "الضم الزاحف” الذي تتبناه الحكومة الحالية، إذ يتكامل E1 مع مشروع "نسيج الحياة” في تشكيل شبكة بنية تحتية استيطانية–أمنية متصلة، تتيح ربط الكتل الاستيطانية الكبرى بالعمق الإسرائيلي، وتغلق ما تبقى من ممرات جغرافية حيوية أمام الفلسطينيين. وبهذا، تتحول المصادقة إلى أداة سياسية، هدفها إعادة صياغة المشهد الجيوسياسي في الضفة الغربية، وفرض وقائع ميدانية تجعل أي حل قائم على التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية أمرًا مستحيلًا، وهو ما عبّر عنه سموتريتش في تصريحه "بعد عقود من الضغوط والتجميد الدوليين، نخرق الأعراف ونربط معاليه أدوميم بالقدس. هذه هي الصهيونية في أبهى صورها – بناء، واستيطان، وتعزيز سيادتنا على أرض إسرائيل”، وهو تصريح يلخص بدقة البعد الأيديولوجي الذي يقف خلف المشروع، ويكشف أن ما يجري ليس مجرد توسع عمراني، بل إعادة رسم للحدود السياسية.

فما بين مستوطنة "معاليه أدوميم” شرقي القدس والضفة الغربية؛ يمتد المشروع على مساحة تقارب 12 كيلومترًا مربعًا، ويمثل خطوة استراتيجية لإعادة تشكيل الخريطة الجغرافية والديموغرافية في المنطقة. فتنفيذه سيؤدي إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية وفصل شمالها عن جنوبها، ما يعمّق التجزئة المكانية ويجعل التواصل بين مناطقها أمرًا بالغ الصعوبة على المستويين السكاني والبنى التحتية. كما يعزز المشروع الطوق الاستيطاني حول القدس الشرقية، عازلًا إياها عن امتدادها الطبيعي في الضفة الغربية، الأمر الذي يقضي فعليًا على أي إمكانية لاعتبارها عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية.

هذا المشروع يُشكل أيضًا امتدادًا عمليًا لسياسات العزل والتقييد التي فرضها الاحتلال على الفلسطينيين منذ بداية بناء الجدار العازل سنة 2002، والتي أدت إلى محاصرة القدس وفصلها عن محيطها الفلسطيني. فالقيود المشددة على دخول الفلسطينيين إلى المدينة، بما في ذلك الاعتقال واستهداف العمال أثناء محاولتهم الوصول إلى أماكن عملهم، يمكن ترجمتها في مخطط E1، حيث يعمل على إغلاق ما تبقى من الممرات الطبيعية نحو القدس وربط المستوطنات المحيطة بها بشبكة طرق حرة الحركة للمستوطنين فقط. بالإضافة الى العمل على بناء وحدات استيطانية في منطقة E1 بما يشمل بناء ما يقارب 4000 وحدة سكنية، 10 فنادق، الى جانب انشاء منطقة صناعية، ويسعى كذلك لتعزيز التمييز الاقتصادي لصالح المستوطنات، ويحول القدس إلى مركز حضري–اقتصادي مغلق أمام الفلسطينيين، في حين تبقى مفتوحة بالكامل للمستوطنين، كما سيؤدي إلى إضافة 40 ألف مستوطن الى بلدية القدس مما سيعزز من فكرة حسم الديمغرافيا في القدس لصالح اليهود.

وتتضح خطورة المشروع أكثر في ضوء الإجراءات الميدانية المصاحبة له؛ إذ وزعت سلطات الاحتلال إخطارات هدم لمبانٍ سكنية وزراعية، واستهدفت تجمعات بدوية مثل جبل البابا ووادي الجمل، في خطوة تمهيدية لتفريغ المنطقة وتهيئة المجال للبناء الاستيطاني.

أمام هذه السياسة الإسرائيلية الممنهجة، تتحول فكرة حل الدولتين إلى مجرد شعار فارغ، إذ يصبح قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وعاصمتها القدس أمرًا مستحيلًا، فضلًا عن كون المشروع سيعزل القرى العربية المحيطة، ويكرّس مشروع "اسرائيل الكبرى” كأمر واقع، في تحول بالغ الأهمية يمس جوهر القضية الفلسطينية وملامحها المستقبلية.

كما يتجاوز أثر المشروع الداخل الفلسطيني ليطال المحيط الإقليمي، خاصة الأردن. إذ أن ربط معاليه أدوميم بالقدس وتقطيع أوصال الضفة يهددان الاستمرارية الجغرافية والسياسية في الأراضي الفلسطينية، ويفرضان تداعيات مباشرة على الأمن الوطني الأردني وحدوده الغربية خصوصًا مع رؤية إسرائيل الكبرى. وهو ما يجعل من تصريحات سموتريتش، الذي اعتبر المشروع ردًا عمليًا على أي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، مؤشرًا على مرحلة أكثر تصعيدًا وانتهاكًا، تكرس واقع جديد لصالح إسرائيل على حساب الاستقرار الإقليمي وحقوق الشعب الفلسطيني.

في الختام، يجسد هذا المشروع بما يحمله من تداعيات على الجغرافيا والديموغرافيا والبنية السياسية الفلسطينية؛ نقطة تحول مفصلية تعجّل بانهيار حل الدولتين عمليًا، وتؤسس لمرحلة جديدة من السيطرة الأحادية، حيث تُفرض حدود الصراع وفق الرؤية الإسرائيلية، ويتكرس نظام أبرتهايد على الأرض الفلسطينية بوصفه واقعًا جديدًا قد تستحيل العودة عنه.

* نقلا عن معهد السياسة والمجتمع

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق