وللحذاء بقية - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: وللحذاء بقية - تليجراف الخليج اليوم الخميس الموافق 18 سبتمبر 2025 08:57 صباحاً

 اتخذ مجلسه في القاعة وقرأ الشهادتين وتناول مفكرته الصحفية وكتب بيتين من شعر الحسين بن علي رضي الله عنه :

سامضي وما بالموت عار على الفتى ... اذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم اُلم.... كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

نهض الصحفي الشاب منتظر الزيدي من كرسيه بسرعة ووجه تحية الشعب العراقي الاخيرة لرئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش ... ليطرحوه بعدها ارضا ويبرحوه ضربا !!!

وما التحية التي يطرح بعدها المرء ارضا ؟

يسرد بوش قصة تلك التحية ويصفها في مذكراته ( قرارات مصيرية ) ...

" ذهبنا الى مجمع رئيس الوزراء وعقدنا المؤتمر الصحفي الختامي ، كانت الغرفة مكتظة ، جلست مجموعة من الصحفيين العراقيين امامي على اليسار ... وعندما طلب المالكي السؤال الاول ، وقف رجل من الصحافة العراقية فجاة واطلق صيحة بصوت عال ، قال شيئا باللغة العربية لكنه لم يكن سؤالا ، ثم استدار ورمى شيئا باتجاهي ، ماذا كان ذلك ؟؟؟ حـــــــــذاء !

شعرت بالمشهد كأنه عرض بطيء ... هذا الشيء الذي يشبه طرف الجناح كان يطير نحوي مثل المروحية ، فاخفضت راسي، كانت ذراع الرجل قوية وسريعة ، وفي جزء من الثانية رمى واحدا اخر ، كان ابطأ من الاول ، ازحت رأسي قليلا فمر من فوقي ، تمنيت لو امسكت بذلك الشيء اللعين " .

مساء يوم الاحد 14 ديسمبر 2008 قذف رئيس قسم المراسلين بفضائية البغدادية الصحفي " منتظر الزيدي " الرئيس الامريكي بوش الابن بفردتي حذاء خلال مؤتمر صحفي جمع الاخير مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ببغداد .

***

منذ اليوم الاول لاحتلال العراق تنازل منتظر عن الحياة التي ينشدها اي شاب وترك حلمه بالزواج وتأسيس عائلة وامتهن الصحافة ، ومن الصحافة الاستقصائية انطلق يوثق جرائم الاحتلال الامريكي في بلاده .

رفض الزيدي الذل والظلم ، وقرر ان يرد الاعتبار للشعب العراقي على الكذب الذي ادعاه بوش الصغير في أحد خطاباته بقوله " العراقيون سيستقبلون الأمريكان بالورود " .

بحث منتظر عن فكرة مساوية في القوة ومعاكسة في الاتجاه لكي لا ينسب الى العراقيين العار بانهم استقبلوا المحتل بالورود ، وكأنهم من أعطى الاذن للامريكي لاحتلال بلادهم . فاهتدى الى قذف كبيرهم الذي علمهم السحر بحذاء .

سجل الزيدي وصيته في عام 2004، وعزم الامر وسعى وراء طريدته لعله يلقاها ، ضاربا بالموضوعية وبالحياد وبالمهنية عرض الحائط وارتفاعه .

يعتبر منتظر الحياد نفاق، فالصحفي في النهاية مواطن اتاح له عمله ان يكون شاهد عيان على مجازر الاحتلال ، ولا يمكن ان يكون مجردا من المشاعر. ويستشهد الزيدي بقول (دانتي ) ... " احلك الأماكن في الجحيم هي لأولئك الذين يحافظون على حيادهم في الأزمات الأخلاقية " .

***

حاول الزيدي حضور لقاء جمع بوش بالمالكي في عمان عام 2006 ولم يوفق ، ولاحقه الى الانبار في عام 2007 و لم ينله... فلكل امر وقته المقدر .

في اليوم الرابع عشر من ديسمبر 2008اثناء تواجد الزيدي في عمله بفضائيةالبغدادية اخبرته الادارة ان بوش الصغيرسيعقد مؤتمرا صحفيا في الخضراء ، تسمر في مكانه وتجمد الدم في عروقه فقد استجاب الله لدعائه ، واخيرا سيحظى بطريدته .

استبدل منتظر حذاءه باخر قديم مستهلك ، انتعله كثيرا خلال تغطياته الاعلامية وشهد على جرائم الاحتلال ، حذاء له صولات وجولات كثيرة ، وصاحب مواقف كبيرة.

وصل منتظر الى المنطقة الخضراء وخضع كغيره من الحضور لتفتيش دقيق بواسطة اجهزة المسح الضوئي والكلاب البوليسية ، ولم يخطر ببال الحراسات ان الزيدي لا يحمل سلاحا بل ينتعله بقدميه .

ويقول الزيدي " للمرة الاولى ادخل الخضراء في مهمة وانا مبتسم " .

انهى المالكي ترحيبه وتسلم منه بوش الصغير المنصة ، تحدث عن الديمقراطية التي احضرها الى العراق بالصواريخ والدبابات وتسببت بارتقاء مليون شهيد من الاطفال والنساء والرجال !!!

يقول الزيدي " شاهدت العلم العراقي يقف خجولا بين الاعلام الامريكية ، وتوجست خيفة ان يصيبه حذائي فهو علم بلادي وعليه قبل ذلك لفظ الجلالة " .

استعد بأن داس على فردتي الحذاء وجعلهما في وضعية الاطلاق ... اتجه بوش الصغير نحو المالكي ليصافحه ، لم يرد منتظر ضربه وهو مدبر فلفت انتباهه وصاح مترجلا وهو يقذف فردة الحذاء الاولى " هذه هدية الوداع من العراقيين، هذه قبلة الوداع يا كلب " ، وعاجله بالاخرى وهو يصرخ " هذه من الارامل والايتام والذين قتلتهم في العراق ".

ويقول الزيدي " احد الصحفيين العراقيين ضرب يدي اثناء تسديدي للفردة الثانية ، ولكن رب ضارة نافعة ، فانحرفت مبتعدة عن العلم العراقي واصابت العلم الامريكي " .

شد احد الصحفيين العراقيين الزيدي من الخلف فسقط ارضا ، وتكوم فوقه عناصر الامن ، واشبعوه ضربا . اعتقل الزيدي وحكم عليه بثلاث سنوات سجن ، وخرج بعد سنة واحدة .

بعد تحرره من محبسه اعرب منتظر الزيدي عن اسفه حيث لم يكن لديه سوى فردتي حذاء .

***

التاريخ مليء بالاحذية التي دخلته من اوسع ابوابه وكل حذاء يخبر قصة ، ومن اشهرها... احذية ( الطنبوري ، حنين ، شجرة الدر ، اميلدا ماركوس ، ايفا بيرون ، نيكولاي تشاوتشيسكو ، البريطاني ريتشارد ريد ، نيكيتا خروتشوف واخيرا حذاء الزيدي)، فالحذاء غير مخصص فقط لتلبسه الاقدام ولكن له استمعالات تفوق ذلك !!!

فلم يكن حذاء " منتظر" نعلا بل كلمة حرة صادقة ، لم يتردد ولم يجامل ، رسالته قوية مباشرة ، تخطى بيانات الشجب والاستنكاروالادانة ، وتسيد القرارات الاممية الميتة ، وانحنى امامه رئيس اقوى دولة في العالم .

الهبت واقعة حذاء الزيدي مشاعر الالاف في العالم العربي وخرجت المظاهرات الجماهيرية الداعمة ، وعرضت مبالغ ضخمة لشرائه، واقيم نصب تذكاري له في تكريت ( ازالته الحكومة العراقية بعد يوم واحد ) .

تحدثت وسائل الاعلام العربية والاجنبية عن حرية الحذاء في التعبير وجرأته ، واشاد به المحللون السياسيين واكبروه ، و نظمت العديد من القصائد الحذائية .

تبوأ حذاء الزيدي مكانة مرموقة في التراث السياسي العربي والعالمي ، وتفوق على غيره من الاحذية التاريخية . اما مصيره الفيزيائي فكان التدمير من قبل السلطات الامريكيةباعتباره سلاحا عابرا للرؤوس لا يمكن التنبؤ به او رصده واسقاطه.

قالت كوندليزا رايس انذاك " سينسى العالم الحذاء بعد 50 سنة " . لكن هيهات ، الان وبعد 17 عاما ما زلنا نتذكر الحذاء ونذكر به ، فهذا النوع من الاحذية لا يلفه النسيان ولا يسقط بالتقادم كحقوق الشعوب العربية .

وكيف ينسى حذاء صفق له المستضعفين حول العالم !!! واصبح رمزا لرفض السياسات الامريكية الداعمة لكل محتل ، لا بل على العكس سيظل الحذاء حاضرا في وضع الاطلاق ، فما اكثر من يستحقونه .

حذاء يستحقه كل ارعن متغطرس تستباح على يديه الاوطان وتقتل الشعوب وتشرد ، وتنتهك المقدسات .

فكم حذاء يلزمنا اليوم لاستعادة كرامة الوضع العربي ، ولو رمزيا ؟؟؟

فهل يكرمنا الزمان بمثل تلك الاحذية!

 

 

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق