“خفض الفائدة الأميركية 2025: ديناميكيات السيولة ومصير الائتمان” - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: “خفض الفائدة الأميركية 2025: ديناميكيات السيولة ومصير الائتمان” - تليجراف الخليج اليوم الخميس الموافق 18 سبتمبر 2025 08:57 صباحاً

 

 

في مشهد يترقبه العالم بدقة، أعلن الاحتياطي الفدرالي الأميركي خفض سعر الفائدة القياسي بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى نطاق 4%–4.25%. هذه الخطوة، الأولى من نوعها في عام 2025، لم تكن مجرد تعديل تقني في أدوات السياسة النقدية، بل بدت أقرب إلى رسالة سياسية للأسواق، وإشارة إلى دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة جديدة من "السيولة الحذرة” بعد سنوات من تشديد الخناق على التضخم.

القرار جاء محمّلاً برمزية واضحة: الفدرالي يعترف بتباطؤ سوق العمل، ويبحث عن توازن جديد بين كبح التضخم ومنع ركود اقتصادي يلوح في الأفق. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا يعني هذا التحوّل لأسواق المال في أميركا، وللاقتصاد العالمي، وللدول العربية، وبالأخص للأردن الذي يجد نفسه دائماً عند تقاطع السيولة العالمية والقيود المحلية؟

أميركا: من معركة التضخم إلى معركة النمو

خفض الفائدة يعكس انتقالاً تدريجياً من عقلية "محاربة التضخم بأي ثمن” إلى مقاربة أكثر مرونة تعطي وزناً لتراجع مؤشرات سوق العمل. ومع ذلك، يواجه الفدرالي تحدياً جوهرياً: كيف يحافظ على مصداقيته أمام الأسواق وهو يبدّل بوصلته بهذه السرعة؟ الرسالة واضحة لكنها محفوفة بالمخاطر — الأسواق تحتاج ثقة واستقراراً، وأي إشارة مزدوجة قد تفتح باباً للتقلبات المالية.

العالم: سيولة جديدة… لكن بتوترات قديمة

خفض الفائدة الأميركية يعني تراجعاً في عوائد السندات الحكومية الأميركية وضعفاً نسبياً في الدولار، ما يحرّك سيولة عالمية تبحث عن عوائد بديلة في أسواق ناشئة وأسهم وسلع. الذهب والنفط يقفزان عادةً كملاذات آمنة، بينما تتجه التدفقات المالية نحو الأسواق ذات العوائد الأعلى. غير أن هذه "الفرصة” تأتي في بيئة جيوسياسية مضطربة: حروب، توترات تجارية، وصراعات إقليمية تجعل الاستثمار أقرب إلى مغامرة محسوبة منه إلى رهانات آمنة.

الدول العربية: بين الربح والخسارة

في العالم العربي، تنقسم الصورة:

•الدول النفطية تستفيد مبدئياً من ضعف الدولار وارتفاع أسعار النفط، لكن أي ركود عالمي محتمل سيخفض الطلب على الطاقة ويضغط على موازناتها.

•الدول المستوردة للنفط، ومنها الأردن، تواجه معضلة مزدوجة: انخفاض كلفة الاقتراض الخارجي من جهة، وارتفاع فاتورة الاستيراد إذا ارتفعت أسعار النفط والقمح من جهة أخرى.

الأردن: معضلة الربط بالدولار وتوازنات الائتمان

الأردن حالة خاصة في هذا السياق. فارتباط الدينار بالدولار يجعل البنك المركزي الأردني في موقف لا يُحسد عليه: هل يتبع خفض الفدرالي مباشرةً ليحافظ على جاذبية الاقتراض المحلي، أم يبقي معدلات الفائدة مرتفعة لحماية الاحتياطيات وجاذبية الدينار؟

انعكاسات القرار تتوزع على ثلاثة مستويات رئيسية:

1.على المقترضين:

خفض الفائدة يعني إمكانية تراجع تكلفة خدمة القروض. فمثلاً، قرض بقيمة 50 ألف دينار لمدة 20 سنة يمكن أن ينخفض قسطه الشهري بثمانية دنانير تقريباً مع كل خفض بربع نقطة مئوية، أي ما يقارب ألفي دينار على المدى الطويل. هذا التنفّس المالي يعزز استهلاك الأسر واستثمار الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكنه قد يدفع بعض البنوك إلى التوسع المفرط في الإقراض، ما يثير مخاطر لاحقة إذا لم يُدار بحذر.

2.على المودعين:

الوجه الآخر للعملة هو انخفاض عوائد الودائع، ما يقلل من دخل شريحة واسعة من الأردنيين الذين يعتمدون على الفوائد كجزء من دخلهم. هذا قد يدفع بعضهم للبحث عن بدائل استثمارية — مثل السندات الحكومية أو الصناديق الاستثمارية — ما يخلق تحدياً للبنوك في الحفاظ على قاعدة ودائعها.

3.على البنوك وسوق الائتمان:

ضغوط على هامش الفائدة الصافي للبنوك قد تدفعها لتعويض الخسائر عبر الرسوم والعمولات، أو عبر توجيه التمويل نحو قطاعات أعلى مخاطرة. غير أن الجانب الإيجابي يتمثل في تحسّن جودة الائتمان إذا سهلت خدمة الديون على المقترضين، ما قد يقلل نسب التعثر (NPLs) ويقوي الاستقرار المالي على المدى المتوسط.

ماذا يمكن أن يفعل الأردن؟

الفرصة أمام الأردن تكمن في تحويل هذا التحدي إلى أداة لإعادة ضبط التوازن المالي والائتماني:

•سياسة نقدية مرنة ومشروطة: البنك المركزي يمكن أن يتبنى خفضاً تدريجياً للفائدة، مشروطاً بمتانة الاحتياطيات واستقرار التضخم المحلي.

•إدارة دين ذكية: الحكومة تستطيع استغلال انخفاض كلفة التمويل لإعادة هيكلة جزء من ديونها الخارجية أو تمديد آجال استحقاقها.

•ابتكار أدوات ادخار محلية: طرح سندات طويلة الأجل بالعملة المحلية يوفّر بديلاً للمودعين ويعزز السوق المالية الوطنية.

•ربط التيسير الائتماني بالنمو الحقيقي: من خلال برامج ضمان تستهدف الشركات الصغيرة والقطاعات الإنتاجية، وليس فقط العقار أو الاستهلاك.

خلاصة: "اللعبة الكبرى” من واشنطن إلى عمّان

خفض الفائدة الأميركية ليس خبراً تقنياً بقدر ما هو جرس إنذار للعالم: الاقتصاد الأميركي يدخل طوراً جديداً، والسيولة العالمية تعود إلى الحركة، لكن في بيئة أكثر هشاشة. بالنسبة للأردن، التحدي أكبر من مجرد متابعة خطوات الفدرالي. إنه اختبار لقدرة البنك المركزي والحكومة على صياغة سياسة مالية ونقدية هجينة تحمي الدينار والمودعين، وتمنح المقترضين فرصة للنمو، وتفتح الباب أمام إصلاحات هيكلية في سوق الائتمان.

إنها لحظة تحتاج إلى ذكاء في المناورة أكثر من مجرد تقليد السياسات العالمية. فالقرارات التي تُصاغ في واشنطن تُدفع أثمانها، عاجلاً أم آجلاً، في عمّان.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق