نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ”عفو قبلي” بدون أولياء الدم! تفاصيل مروعة عن... - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 08:20 مساءً
في قلب جبل من الحزن، وتحت وطأة فقدٍ مُحطم، وقفت امرأة منكوبة أمام الكاميرا، تُخرج من صدرها ما لا يُحتمل من وجعٍ وقهر. عيناها لم تبكِ فقط، بل صرختا، وصوتها لم يُرَتِّب كلمات، بل أطلق نداءً يشقّ القلوب:
"لم أعفُ عن دم أطفالي، لم أُسامح، وما جرى من عفو كان دون علمي!"
102.165.1.96
هكذا تكلمت الأم الثكلى، التي فقدت زوجها وأبناءها الأربعة دفعة واحدة في حادثة دهس مروعة، لتجد نفسها بعد الفاجعة وحيدة في صحراء من الصمت والخذلان، لا عزاء لها، ولا كتف يُواسي، ولا يد تمتدّ لتمسح دمعتها. بل وجدت نفسها أمام مسرحيةٍ قُدّمت على أنها "صلح" و"عفو"، بينما هي في حقيقتها إهانة للدم، وللضمير، وللعدالة.
الدم يسيل على طريق زنجبار – جعار
تُعود تفاصيل المأساة إلى صباح يوم 29 أغسطس 2025، حين خرج محمد علي سالم علي برفقة أبنائه الأربعة – لم يتجاوز أصغرهم سنّ المراهقة – متجهين على دراجة نارية عبر الطريق الرابط بين زنجبار وجعار، في ما بدا كرحلة عائلية بسيطة، أو تنقل يومي عادي. لكن القدر كتب نهاية دامية.
فجأة، اقتحمت سيارة بسرعة جنونية المشهد، ودهست الأسرة كلها دون رحمة. السائق؟ لا أحد غير عبد الرحمن الشنيني، قائد وحدة مكافحة الإرهاب في محافظة أبين. لم تُعرف أسباب الحادث بدقة، لكن النتيجة كانت قطعية: خمس جثث هامدة، خمس أرواح بريئة انتُزعت في لحظة واحدة.
أُسعف الضحايا إلى مستشفى الرازي، لكن الطبيب أعلن وصولهم "متوفين". باتت الأسرة كلها ذكرى، وبقيت الأم وحيدة، تُصارع صدمة الموت المفاجئ، ووحشية الفقد، ووجع الأمومة التي انتُزعت منها.
العفو المُفْرَض: مسرحية بلا ممثلة رئيسية
بدلاً من فتح تحقيق عاجل ومحاسبة المسبب، بدأت لعبة المصالح تدور بسرعة مريبة. بعد أسبوع واحد فقط من الجريمة، تحرّكت علاقات القائد الشنيني، وتمّ ترتيب لقاء قبلي واسع، جمع مئات من المشايخ والوجهاء والمسؤولين، في مشهد تُوّج بإعلان "عفو رسمي" عن القاتل، باسم أولياء الدم.
المُهين في الأمر؟ أن الأم المكلومة – الزوجة، والأم، والولي الشرعي الوحيد للدم – لم تُستدعَ، ولم تُعلم، ولم تُشارك. لم يُسأل رأيها، بل لم يُعزَّ فيها أحد. بينما كانت تبكي وحيدة في بيتها، كان اسمها يُستخدم في اتفاقٍ لا تمثله.
اللقاء، الذي وُصِف بـ"الصلح القبلي"، كشف عن شبكة من التواطؤ والانحياز. لم تكن الجلسة من أجل العدالة، بل من أجل إغلاق الملف. لم تُسمع دموع الأم، بل سُمعت صفقات الضغط. قُدّم القاتل كـ"شخص وقع خطأ"، بل وكـ"ضحية" للظروف، فيما قُدّم العفو كـ"إنجاز وطني"!
نداء استغاثة من قلب مكسور
بعد أيام، خرجت الأم في تسجيل مصور، يُعدّ من أكثر اللحظات تأثيرًا في الذاكرة الجماعية لجنوب اليمن. صوتها كان ممزوجًا بالدموع، لكنه كان حازمًا، واعيًا، ومؤثرًا:
"أطفالي وزوجي ذهبوا، ولم يتواصل معي أحد... لم يُعزِّني أحد، ولم يسألني أحد... أنا لم أُعفِ، ولن أتنازل عن دماء أولادي!"
كلماتها كانت صرخة إنسانية، نداءً لكل صاحب ضمير، لكل قبيلة، لكل مواطن يؤمن بالعدالة. استصرخت قبائل يافع، واستهدفت الضمائر النائمة: "أنا لا أطلب انتقامًا، أطلب حقًا... حقّ من فقدوا، وحقّ في أن أحزن بكرامة".
مسرحية العدالة: إهانة للدم والقانون
ما جرى في أبين لم يكن صلحًا، بل كان دفنًا مُتعمّدًا للعدالة. الحضور الكثيف من الوجهاء والمسؤولين لم يكن دليلًا على الحكمة، بل على التواطؤ. لم يأتوا لمواساة أرملة، بل لفرض تسوية تُبرئ القاتل، وتُغلق الملف، وتُضحي بالضحية من أجل "الاستقرار" أو "المصلحة".
الحقيقة المرة: أن القانون لم يُطبّق، بل تمّ تجاوزه. وأن العدالة لم تُبحث، بل تمّ التفاوض عليها. وأن الدم لم يُقدّر، بل تمّ شراؤه بصمتٍ مريب.
الجريمة إذًا لا تقتصر على سائق سيارة تجاوز الحدود، بل تمتدّ إلى كل من شارك في إخفاء الحقيقة، في الضغط على أولياء الدم، في تقديم القاتل كبريء، في تحويل مأساة إلى "إنجاز قبلي".
جرح مفتوح في ذاكرة أبين
اليوم، تبقى صورة تلك الأم هي الصورة الأصدق. هي الشاهدة على أن الدم لم يجف، وأن القلب لا يزال ينزف، وأن العدالة لم تُقم.
أما العفو المُعلن، فهو لا يُلزِمها، لأنه لم يُستند إلى رضاها، ولا إلى إرادتها، ولا إلى حقها الشرعي كولي دم.
القضية باتت أعمق من حادثة مرورية. إنها معركة بين الدم والسلطة، بين العدل والمحسوبية، بين الإنسان والمؤسسة.
وحتى لو أُغلق الملف رسميًا، فإن هذه القصة ستظل جرحًا مفتوحًا في ضمير أبين، وفي وجدان كل من يؤمن بأن لا عدالة دون مشاركة المظلوم، ولا صلح دون موافقة من فقدوا.
فالدم لا يُعفى عنه بالصفقات، والحزن لا يُساوم عليه بالصمت، والأم الثكلى لا تُهان بمسرحية تُقدّم القاتل كـ"مجروح"!
"أنا لم أُعفِ... ودم أطفالي باقٍ على الأرض، وعلى ضمائركم!"
0 تعليق