الدخول المدرسي: ملحمة الاستهلاك وعداوة البيئة - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الدخول المدرسي: ملحمة الاستهلاك وعداوة البيئة - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 11:47 صباحاً

لم يعد الدخول المدرسي شأنا فئويا يعني أسرا دون غيرها كما عهدناه سابقا، حيث كان ارتياد المدرسة خيارا ضمن خيارات أخرى، مثل ولوج عوالم الحرف والصنائع والتجارة والفلاحة وغيرها. بدائل كان يلجأ إليها الناس لتسريع وتيرة مساهمة الأبناء في اقتصاد الأسرة وكذا لضمان استقلالية هؤلاء المادية لاحقا، أو بهدف توريث الخلف لمحترفات، مصانع، متاجر أو أي نوع من الأملاك أو الخبرات التي تمنع أبناءهم من الفقر أو تفتح لهم أبواب الثراء. أما بعد تعميم التعليم كحق دستوري، فقد أصبح الدخول المدرسي شأنا عاما يستحق التناول من زوايا مختلفة، حيث صار يتصدر قائمة المحطات المؤرقة للأسر، والتي تستدعي التخطيط والادخار، كما هي محطات الأعياد والعطلة الصيفية... ،خاصة لدى الأسر ذات الدخل المحدود،  فما الذي استجد حتى يصير الدخول المدرسي دخولا إلى دائرة الاستنزاف المادي والبيئي والنفسي، فيحيد عن غايته كبداية لموسم جديد أكثر جودة وانسجاما مع أدوار المدرسة؟

استمرت مجانية التعليم في المدرسة العمومية المغربية منذ الاستقلال إلى الآن، يوازيه بديل مؤدى عنه في مؤسسات التعليم الخصوصي يتدرج في خدماته وعرضه التربوي حسب رغبات الأسر ووضعها الاقتصادي، إلا أن تصاعدا ملموسا في كلفة الدخول المدرسي طال كل الفئات من حيث استهلاك المقررات الدراسية وما يواكبها من مقتنيات، بعضها أساسي وأغلبها ثانوي أو زائد، ماجعل من محفظة التلميذ تحديا جسديا وتمرينا يوميا لرفع الأثقال خارج قاعات الرياضة دون تسخينات أو تداريب مسبقة. 

لن نتحدث هنا عن معاناة الجسم الصغير الفتي مع الأحمال الضخمة وما تجره من عناء وتقوسات مبكرة على مستوى الكتفين والعمود الفقري ... مع استياء يومي وتراجع الحافزية والإقبال الطوعي على التمدرس، ولن نتحدث أيضا عن الكلفة المالية المرهقة لميزانيات الأسر، فمهما كان المستوى المادي للأسرة، يظل "المال لك والموارد للجميع"، بل نود تسليط الضوء هنا عن حجم التدميرات البيئية التي تتضمنها قائمة الأدوات المدرسية المطلوبة بتدقيق متناه من حيث الأحجام والألوان والنوعيات والأعداد الهائلة من الكتب والدفاتر والأوراق المستقلة ...،خاصة في مؤسسات التعليم الخصوصي. هي دعوة جهرية منها للانخراط في رأسمالية الاستهلاك القهري وتخريب الأرض والحد من استدامة مواردها للأجيال القادمة، وهذا يتناقض قطعا مع ما تعالجه مضامين المنهاج الدراسي من وحدات ودروس تسهب في النصح بالحفاظ على البيئة وترسيخ هاجس التنمية المستدامة... فالكتاب المدرسي الواحد الذي كان يستعمله الإخوة بالتتالي ثم تجود به الأسرة على الجيران أو الأقارب كصدقة جارية يثاب عليها الجميع، أصبح كتبا متعددة وكراسات من الحجم الكبير لا تتجاوز مدة صلاحيتها السنة الواحدة، والدفتر الصغير الذي كان يحتضن بتدبير منتظم مواد الدرس اللغوي والاجتماعيات والأشياء (النشاط العلمي)  والتربية الإسلامية والشعر... تحول إلى دفاتر من الأحجام الضخمة بجودة عالية ولكل مادة على حدة...، فتجد ثمن الدفتر الواحد، الفارغ إلا من معلومة اسم الشركة، يتجاوز ثمن مؤلفات الجابري وجسوس ومونتيسكيو... وتجد الحرص على جودة الغلاف والورق والأقلام الجافة واللبدية والشمعية والخشبية و... يصرف الجميع عن التفكير في جودة  خدمة التعليم، ناهيك عن جودة التعلم. 

ونحن في سنوات عجاف وتقلص خطير في كتلة الحياة على الأرض، غابات وموارد طبيعية تستنزف في إنتاج ورق ومواد ترهق جيوب المواطنين ولا يستهلك إلا بعضها مع التبذير، ليلقى الكل في القمامة نهاية كل موسم دراسي، هذا في وجود معدات وموارد رقمية مستهلِكة للطاقة الكهربائية، والتي من المفترض أن تكون بديلا عن الموارد الورقية،. ناهيك عن موجة حافلات النقل المدرسي، اللاإيكولوجية طبعا، حيث تختنق الشوارع بها في ساعات الذروة وتغلق الأزقة، ويختنق داخلها الأطفال لساعات طوال، في ظروف تجعلهم أقل حظا من تلاميذ القرى الذين يقطعون الشعاب والحقول الخضراء للوصول إلى المدرسة. فالمدرسة صارت تقدم، من خلال هذه الصور المتكررة، درسا تطبيقيا في ترسيخ ثقافة المنافسة على الاستهلاك والدخول في دوامة إدمان الشراء المفرط دون حاجة، لتمرير قيم منافية لعدد من القيم الإنسانية.

إن التربية على القيم، ومن ضمنها القيم البيئية كإحدى الهموم الكونية المشتركة والبعيدة عن كل ترف فكري، ليست درسا بمحتوى، يدون ويحفظ ويستظهر على أوراق الامتحانات، بقدر ماهي سلوك يومي في ترشيد الاستهلاك في كل تجلياته، ينبغي أن ينتجه الراشدون بوعي على مرأى ومسمع من الناشئة، لتصبح صداقة البيئة ركنا أساسيا في ثقافة المجتمع، تتمثلها الأجيال في تفاصيل حياتها الصغيرة قبل الكبيرة وتحيا بها كما تحيا بالماء والهواء... 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق