نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: بعد ترسيب طالب متفوق بسبب الغياب.. د. ابوغزله يقدم تقييما لأسس النجاح والاكمال والرسوب في التعليم الأساسي #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الاثنين الموافق 1 سبتمبر 2025 06:00 مساءً
كتب د. محمد أبو غزله *
من المعروف النظام التعليمي أداة لبناء الإنسان وليست لعقابه، وخاصة في مرحلة التعليم الاسياسي الإلزامية، ففي ظل الحديث على كافة وسائل لاتصال والمشكلات التي رافقت التعديلات الأخيرة جراء تطبيق أسس النجاح والإكمال والرسوب في وزارة التربية والتعليم، تثار تساؤلات واسعة حول مدى عدالتها وانساجمها مع ماورد في الدستور حول الزامية التعليم في المرحلة الأساسية والاجراءات في التواصل مع ولي الأمر والحاكم الإداري اذا أدى الغياب المدرسي إلى تسرب الطلبة -وعادة ما تكون هذه النتيجة للغياب-، خاصة مع اعتماد نسبة الغياب كمعيار للرسوب دون إشعار ولي الأمر، واحتساب غياب الحصة الواحدة كيوم دراسي كامل.
ومن المعروف أن الوزارة قد فتحت تعديل التشريعات كافة في الوزارة ، ولكن هذه التعديلات لم تكن جميعها في صالح الطلبة أو حتى العاملين فيها ، ولعل ارتفاع نسب الغياب بين الطلبة عن الدوام المدرسي، والتهاون من بعض الإدارات المدرسية في متابعة هذه الظاهرة ورصدها واتخاذ الإجراءات المناسبة للحد منها، وخاصة في الصفوف العليا، شكّل تحديا أمام جودة العملية التعليمية، وفي هذا السياق سنتاول تقييم أسس النجاح والاكمال والرسوب من منظور الحوكمة التعليمية والمسؤولية المشتركة، بعد أن اتخذت وزارة التربية والتعليم عدة خطوات لضمان التزام الطلبة بالدوام المدرسي، كان أبرزها تعديل أسس النجاح والإكمال والرسوب للعام الدراسي 2024–2025، كما طلبت الوزارة من المدارس رصد الحضور والغياب يوميا وإرسال السجلات إلكترونيا عبر منصة متخصصة أنشأتها لهذا الغرض، حيث يدخل مربي الصف الغياب والحضور من خلال نظام إدارة المعلومات (Open EMIS)، بعد ان يتم جمع الغياب بنفسه أو من خلال تكليف أحد الطلاب كما يشاع والتي ستخلق مشاكل كثير حول مسألة دقة عملية الرصد هذه ، لكن تعد عملية التسجيل عموما اذا خلت من الأخطاء خطوة مهمة في تعزيز الالتزام وتحسين جودة التعليم شريطة أن لا تكون هذه الأدوات والتقارير الكترونية وسائل للمساعدة لا لفقدان المدرسة لدورها، بالاضافة أن تطبق هذه الانظمة يجب أن يكون بعدالة ومساواة وشفافية بين جميع المدارس.
إن وجود نظام واضح يضبط عملية الالتزام بالدوام، خاصة في مرحلة التعليم الأساسي، أمر في غاية الأهمية شريطة ان لا يتعارض مع الزامية التدريس في مرحلوة التعليم الأساسي ، غير أن الأهم من ذلك أن يكون هذا النظام مصحوبا بتوعية الطلبة بأبعاده وآلية تطبيقه، ويجب أن لا يكون الرسوب الصامت حين يدفع الطالب الثمن دون أن يسمع أحد صوته كما أن غياب التواصل يمع الأسرة يخرجها من المعادلة التربوية ويفاقم المشكلة كما على النظام طرح بدائل وحلول تربوية لمعالجة الغياب المدرسي، وفتح قنوات تواصل مستمرة مع أولياء الأمور عند ظهور أية ملاحظات، انطلاقا من دور المدرسة كمؤسسة تربوية مجتمعية تتعاون مع الأسرة في تقديم الدعم للطلبة ومتابعة مسيرتهم التعليمية.
لكن المثير للتساؤل أن أسس النجاح والإكمال والرسوب للعام الدراسي الحالي2024-2025، وفي مادتها (20) ، تنص على" عدم السماح للطالب بالتغيب عن الدوام المدرسي إلا بعذر مرضي أو قهري موثق، وألا تتجاوز نسبة الغياب 10% من مجموع أيام الدوام، وإلا يعتبر الطالب راسبا ،واشارت في نفس المادة إلى أنه لا يؤثر تبليغ ولي الأمر أو الموكل بالرعاية من عدمه في قرار الرسوب بسبب الغياب، ويعتبر الطالب راسبا ، ما يعني أن الطالب يعتبر راسبا دون علم أسرته على الرغم من عدم ابلاغ الإدارة المدرسية له وهذا يتناقض مع التوجهات المعلنة للوزارة بضرورة تعزيز التواصل مع أولياء الأمور، واعتبارهم شركاء في المسؤولية التعليمية، خاصة في ظل الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الأسرة في الحد من الغياب وتشجيع الالتزام ب والأهم من ذلك لأن عدم ابلاغ ولي الأمر قد يؤدي إلى تسرب الطلبة في هذه المرحلة ويعد مثل هذا التعديل مخالفا للدستور حول الزامية التعليم في مرحلة التعليم الأساسي نتيجة عدم متابعة الغياب المتكرر وابلاغ ذوية في مرحلة التعليم الأساسي . كما أن الدعوات حاليا تدعو إلى ضرورة أن تتشابك جهود جميع الأطراف، من مدارس وأسر ومؤسسات حكومية وأهلية، للعمل على معالجة الغياب المدرسي، من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية في التعليم، وتفعيل مجالس أولياء الأمور، وزيادة الوعي العام بأهمية الانتظام المدرسي، لما له من أثر مباشر على التحصيل الأكاديمي وكفاءة النظام التعليمي ككل، ومن غير المنطقي أن تسقط الأسس الرسمية شرط التواصل مع الأسرة في حال الغياب، بينما تؤكد التصريحات الرسمية على ضرورة تفعيل الإرشاد المدرسي، وتنظيم المحاضرات التوعوية، والتواصل المستمر مع أولياء الأمور.
واللافت عند تعديل اسس النجاح والاكمال والرسوب الحالية لوحظ أن طريقة احتساب الغياب فيها الكثير من الإجحاف بحق الطلبة وجلها عقابي وليس تعليمي ، حيث يعد غياب الطالب عن حصة واحدة بمثابة غياب عن يوم دراسي كامل، حتى لو حضر بقية الحصص، وهو إجراء لا تأخذ به الأنظمة التعليمية حول العالم التي تعمل لتطوير انظمتها التعليمي وتحقيق تعلم نوعي في بلادها ، كما أن مثل هذا الإجراء في طريقة احتساب الغياب يفتقر إلى العدالة والدقة، الأمر الذي يدعو إلى مراجعة هذه الآلية ووضع معايير أكثر إنصافا ومرونة تأخذ بعين الاعتبار العدالة والمساوة عند دراسة ظروف الطلبة وخصوصية كل حالة وتاخذ بعين الاعتبار الغاية من التعليم .
ولعل حالة رسوب الطالب المتفوق بسبب تجاوز نسبة الغياب، رغم تفوقه الأكاديمي، قد أثارت تساؤلات كثيرة حول آلية تطبيق أسس النجاح ووالأكمال والرسوب ، ومدى التزام جميع المدارس بتنفيذها بشكل عادل كما أثارت القضية تساؤلات حول دور المدرسة ومربي الصف والمرشد التربوي، لا سيما وأن الشهادة لم تتضمن أية ملاحظات سلوكية على الطالب، ومدير المدرسة اكتفى بالتوقيع، بينما يتم اتخاذ قرار الرسوب استنادا فقط إلى بيانات الغياب على المنصة الإلكترونية التي تعبأ من قبل شخص معرض لإدخال معلومات غير دقيقة معتمدا فيها على مصادر متعددة في جمعها إضافة إلى أن المنصة يحدث فيها أحيانا بعض المشكلات التقنية الأمر الذي قد يفقد البيانات حسب تصريحات المعلمين المعنيين بادخال البيانات، والتي عندها يجب الرجوع إلى تثيق هذه الاجراءات ايضا لدى الإدارة المدرسية تحسبا لمثل هذه الأخطاء التي قد تحصل ، كما أنه للماذ طالما ان لكل طالب حساب لماذا لا يتم ارسال تنبيه له أو لذوية وهو دور أساسي للمدرسة، والأمر الأخر في حالة هذا الطالب وما يزيد من الغموض فيها هو ظهور نسختين مختلفتين من الوثائق الرسمية، مما أثار تساؤلات حول احتمالية حدوث ذلك في مدارس اخرى نتيجة تقصير ولا اريد أن أقول تلاعب وهذا حدث بالفعل حيث منحت شهادات لطلبة وهم لم يكونوا في المدرسة ،وهذا يقودنا إلى التساؤل ألم يكن غياب طالب متفوق يستحق أن يثير القلق لدى المعلمين والإدارة؟ ولماذا لم يعرض الأمر على المرشد و المشرف التربوي أو الإداري المعني بمتابعة المدرسة إذا لا نريد اخبار ولي الأمر ؟ وهل يجوز أن تؤدي نصوص الأسس التي تم تطويرها والتي يفترض ان تخدم الطلبة إلى تسربهم من التعليم دون إلزام المدرسة بالتواصل مع الأسرة أو الحاكم الإداري، خاصة وأن هذه المرحلة تعليمية إلزامية وفقا للدستور يتوجب متابعة امر الطلبة مع أولياء امور والجهات المعنية ؟
لذا فإن هناك العديد من التساؤلات تطرح نفسها حول عدالة تطبيق النظام وليس فقط اعلام ولي الأمر فهل ترصد الغيابات بنفس الآلية في جميع المدارس؟ وهل يتم اتخاذ نفس الإجراءات؟ ولماذا يحصل بعض الطلبة على علامات عالية رغم كثرة غيابهم حسب تصريحات الطلبة أنفسهم وحتى بعض المعلمين ؟ وما دلالة هذا ومدى ارتباطه بفاعلية التدريس؟ وكيف نفسر أن طالبا غائبا يحقق نتائج أعلى من زملائه المنتظمين؟ الأمر يتجاوز النظر للفروق الفردية ليصل إلى مساءلة جودة التعليم والتقييم وأليات التقييم التي تستخدم ويشير إلى أهمية مراجعة شاملة لهذه السياسات والاسس اذا كان هدفنا تطوير نظامنا التعليم .
ومن المعروف أن القرار النهائي في مثل هذه الحالات يقع ضمن صلاحيات مدير المدرسة، لكن هل هذه الصلاحيات مطلقة؟ وهل من المقبول أن تمر مثل هذه القضايا دون مراجعة وتدقيق ، خاصة أنها أثارت الرأي العام، وتناقلتها وسائل الإعلام؟ ولماذا لم يتدخل الوزير إلا بعد أن تناولت الصحافة القضية؟ وهل يجب أن ننتظر تدخل الإعلام للتعامل مع حالات قد تكون فيها حقوق الطلبة وحقوق العاملين مهدورة ؟، فلماذ هذه الندية في التعامل مع الطلبة وغيرهم في الوقت الذي يجب ان تتولى الوزارة رعاية الطلبة والعاملين فيها مع أهمية تطوير القوانيين والأنظمة والتعليميات والأسس لخدمة النظام التعليمي وتطبيقها بعدالة.
من هنا فإن إن مراجعة أسس النجاح والإكمال والرسوب أصبحت ضرورة ملحة، وخاصة في ما يتعلق بآلية احتساب الغياب فمن الأفضل اعتماد نظام الحصص بدلا من الغياب اليومي التقليدي، لضمان الدقة في متابعة الحضور الطلابي، وتعزيز الانضباط الأكاديمي، ورفع مستوى الالتزام والمواظبة لدى المتعلمين أثناء اليوم الدراسي كما هو معمول في بعض الدول التي اصبح توظف معلمين للقيام بالاعباء الإدارية للتخفيف عن المعلمين والتفرغ للتدريس بحث يقوم هولاء المعلمون المعيننون للقيام بمهمة متابعة الاعمال الادارية وتسجيل الغياب بناء على عدد الحصص الدراسية، ويصنف الغياب حسب درجات مختلفة، كما تخصص علامات للانضباط المدرسي يتم خصمها في حال تكرار الغياب، بدلا من اللجوء مباشرة إلى الرسوب، ما يعزز الالتزام دون أن يسبب الضرر النفسي والاجتماعي للطالب كما تقوم هذه الدول أيضا بتوجيه كتب رسمية إلى أولياء الأمور منذ بداية العام، تتضمن نماذج لتبرير الغياب، على أن يقدم النموذج في يوم الغياب، مرفقًا بالوثائق اللازمة. وفي حال لم يقدّم، وتكرر الغياب يتم تحويل الطالب إلى نظام الانتساب كمرحلة تأديبية دون أن يحرم من تعليمه من ترفيعه، وقد وفرت المدارس قنوات تواصل فعالة مع أولياء الأمور، للرد على استفساراتهم ومساعدتهم على تفادي وقوع أبنائهم في المخالفات.
كما من المهم أن تتبنى الوزارة بدائل تربوية ونفسية واجتماعية لمعالجة الغياب بدلا من اللجوء إلى الرسوب، لما له من آثار نفسية وتربوية سلبية على الطالب، ومن النماذج الناجحة في هذا الصدد ما لجأت إليه الدول في بعض الممارسات التربوية والتي تقوم على نظام التدخل المبكر القائم على الرصد اليومي للغياب والذي اخذت به الوزارة لكنها لم تتبعه بتواصل فوري مع الأسرة، وفتح ملف متابعة خاص لكل طالب يشمل بيانات الغياب، وأسبابه، وخطط التدخل التربوي والأكاديمي له كما من المهم أيضا تعزيز دور المرشد التربوي من خلال تنفيذ جلسات إرشاد فردية للطالب وجماعية، وزيارات ميدانية للحالات الصعبة، بالتعاون مع الجهات المختصة الذي لم نشهده في حالة الطالب ،كما من المهم تفعيل الشراكة مع الأسرة، وعقد لقاءات توعوية شهرية، وإشراكها في خطط دعم الطلبة، إضافة إلى تنظيم حملات توعية حول أهمية نظام الانتظام ونظام "الانتقال المشروط" كبديل تربوي عن الرسوب، حيث يسمح للطالب بالانتقال للصف التالي بشرط المشاركة في خطة دعم وتقييم خلال الفصل الدراسي الأول أوفي العطلة الصيفية .
إن تفعيل دور الإدارة المدرسية في التواصل مع أولياء الأمور، وبيان الآثار المترتبة على غياب أبنائهم، يعد أمرا أساسيا، بخاصة أن الغياب المدرسي اذا زاد عن حده بغض النظر عن أسبابة لأن الغياب يؤدي إلى انخفاض التحصيل الأكاديمي والاجتماعي والنفسي للطلبة وخاصة في ظل غياب بدائل وحلول تربوية، لذا لا بد أن تتكاتف جميع الجهود لتحسين جودة التعليم، وتوفير بيئات تعلمية آمنة ومحفزة تشجع على الاستمرار في التعلم إضافة إلى تدريب المعلمين على استراتيجيات التدريس الحديثة التي تزيد من دافعية الطلبة نحو التعليم، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات والتكنولوجية وانظمة الذكاء الاصطناعي ، ومن المهم للوزارة العمل على تقوية النظام التعليمي ليصبح قادرا على تلبية احتياجات الطلبة، وتقديم الدعم للأسر المحتاجة لتشجيع الأبناء على الدوام المدرسي ، ومنع الغياب والتسرب والانقطاع باساليب تعليمية تربوية، لما لذلك من أثر مباشر على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتقليل نسب الأمية والبطالة، وتعزيز الإنتاجية المجتمعية.
* الكاتب خبير تربوي / مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق