إسرائيل الكبرى وخيار الأردن المصيري – نحو جبهة عربية وإسلامية ودولية موحدة #عاجل - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: إسرائيل الكبرى وخيار الأردن المصيري – نحو جبهة عربية وإسلامية ودولية موحدة #عاجل - تليجراف الخليج اليوم السبت الموافق 16 أغسطس 2025 07:43 صباحاً

 كتب أ.د. محمد تركي بني سلامة

منذ أن أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحاته الخطيرة عن "احتلال” أجزاء من الأردن وسوريا ولبنان ومصر في سياق مشروعه لإقامة ما يسميه بـ"إسرائيل الكبرى"، بات واضحًا أن التهديد لم يعد مجرد احتمال، بل خطة توسعية معلنة. هذه التصريحات ليست حدثًا عابرًا، بل هي مؤشر على عقلية سياسية تتغذى على فكرة التوسع والهيمنة، وتستمد قوتها من حالة الانقسام العربي والتراجع الإسلامي والدولي في مواجهة المشروع الصهيوني. أمام هذا الواقع، لا بد من صياغة رؤية شاملة تعيد رسم الأولويات الوطنية والقومية، وتستند إلى برنامج وطني أردني، لكنه منفتح على العمق العربي والإسلامي، ويتكامل مع حراك دولي نشط ودبلوماسية فعالة وإعلام قوي.

الأردن لا يستطيع مواجهة تهديد بهذا الحجم منفردًا، فعمقه الاستراتيجي هو عالمه العربي والإسلامي. هنا يبرز دور سوريا والعراق والسعودية، ليس فقط كجيران، بل كخط دفاع متقدم في معركة الوجود. أمن هذه الدول مترابط، ومصيرها مشترك، وأي تهديد للأردن هو تهديد لها، والعكس صحيح. كذلك، على تركيا بما لها من ثقل سياسي وعسكري واقتصادي أن تكون جزءًا من محور إقليمي صلب، قادر على ردع أي أطماع إسرائيلية.

لكن الحديث عن العمق العربي لا يكتمل دون التطرق إلى الدول التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل. هذه الدول مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإعادة النظر في خياراتها، في ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، والقصف المتكرر للبنان وسوريا، وعمليات الاستهداف في اليمن. التطبيع في ظل استمرار الاحتلال والقتل ليس فقط خطأً استراتيجيًا، بل هو رسالة ضعف يستغلها الاحتلال لتوسيع مشروعه. إن إعادة تقييم هذه العلاقات هو واجب وطني وقومي وأخلاقي على كل دولة عربية، كي لا تتحول إلى غطاء لجرائم الاحتلال.

الرد على هذه التهديدات يبدأ من الداخل الأردني نفسه، من خلال مصالحة وطنية شاملة، وفتح صفحة جديدة تعزز الثقة بين الدولة والمواطن، وإعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء القيود على حرية الصحافة والتعبير، وتعديل القوانين المقيدة للحريات. فالوطن القوي يبدأ بجبهة داخلية متماسكة، تدرك حجم الخطر وتلتف حول مشروع وطني جامع.

الاقتصاد بدوره هو سلاح ردع لا يقل أهمية عن السياسة أو الأمن. فالاعتماد على الذات، والتحرر من التبعية الاقتصادية، وتأمين احتياجات الغذاء والطاقة والمياه، وإعادة الاعتبار لدور القطاع العام، كلها خطوات ضرورية لتحصين القرار الوطني. مكافحة الفساد والهدر والمحسوبية ليست فقط مطلبًا أخلاقيًا، بل هي شرط للبقاء والصمود.

إلى جانب ذلك، على الأردن أن يستعيد زمام المبادرة دبلوماسيًا على الساحة الدولية. فالمجتمع الدولي ليس كتلة واحدة، وهناك قوى كبرى وإقليمية يمكن التواصل معها بفاعلية. الصين وروسيا تمثلان قوتين عالميتين لهما مواقف متوازنة نسبيًا من القضية الفلسطينية، ويمكن للأردن، من خلال دبلوماسية نشطة، أن يحشد دعمهما في المحافل الدولية. كذلك، هناك دول في أمريكا اللاتينية، مثل البرازيل وفنزويلا وتشيلي، اتخذت مواقف داعمة للفلسطينيين ورافضة للعدوان الإسرائيلي، وهي شريك محتمل في تشكيل جبهة دولية مضادة للتوسع الإسرائيلي. الدول الأفريقية أيضًا، بحكم تاريخها مع الاستعمار، يمكن أن تشكل حليفًا طبيعيًا في مواجهة المشروع الصهيوني، إذا جرى التواصل معها بخطاب صادق يربط بين التجربة النضالية للشعوب الأفريقية وتجربة الشعب الفلسطيني.

الدور الأوروبي لا ينبغي إهماله، رغم التعقيدات المعروفة. هناك أصوات متزايدة في أوروبا تنتقد السياسات الإسرائيلية، خاصة في المجتمعات المدنية ووسائل الإعلام المستقلة. الأردن يستطيع، عبر الإعلام النشط والتحرك الدبلوماسي، أن يخاطب هذه الأصوات ويدفع باتجاه مواقف أكثر اتزانًا في الحكومات الأوروبية.

أخيرًا، الإعلام هو الذراع الموازي للدبلوماسية. في زمن الصورة والاتصال الفوري، يمكن للإعلام الأردني والعربي أن يلعب دورًا محوريًا في فضح المخططات الإسرائيلية، وكشف الجرائم في غزة والضفة وبقية الساحات، وبناء رأي عام عالمي ضاغط على الاحتلال.

إن تصريحات نتنياهو تمثل ناقوس خطر يستدعي يقظة عربية وإسلامية ودولية. الرد لا يكون بالشعارات، بل بخطة متكاملة: جبهة داخلية متماسكة، عمق عربي وإسلامي فاعل، تحرك دبلوماسي واسع، وإعلام قوي يواجه الكذب الإسرائيلي بالحقيقة الموثقة. في هذه اللحظة التاريخية، الخيار أمامنا واضح: إما أن نكون أمة متحدة قادرة على حماية وجودها وحقوقها، أو نترك المشروع الصهيوني يلتهم أرضنا ومستقبلنا قطعة قطعة.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.