مقتل تشارلي كيرك يثير مخاوف من موجة اغتيالات ضد اليمين واليسار عالمياً - تليجراف الخليج

كان لاغتيال الناشط الأميركي اليميني تشارلي كيرك صدى كبير، ليس في الولايات المتحدة فقط، وإنما في شتى أنحاء العالم، لأن هذا الرجل لديه العديد من الأنصار اليمينيين الذين يؤمنون بأفكاره.

وربما يؤدي مقتل كيرك إلى مزيد من الاغتيالات السياسية الأخرى، كإجراء انتقامي ضد اليمين واليسار في أنحاء متعددة من العالم، والولايات المتحدة بصورة خاصة.

وبناء عليه يمكن القول إن الاغتيالات السياسية في مختلف أنحاء العالم ليست ظاهرة جديدة، ظهرت مع مقتل كيرك، وإنما موجودة من قبل.

لكن الكاتب الأسترالي، وارد توماس، أظهر، في مقال بارز تم نشره في مجلة الأمن الدولي عام 2000، أن هناك قاعدة فعالة للغاية، ولقرون عدة، ضد قادة الحكومات الذين يحاولون قتل نظرائهم في دول أخرى. وحاجج توماس بأن الاغتيالات التي ترعاها الدول كانت شائعة في السابق، ولكن مع مرور الوقت، فقد هذا التكتيك شعبيته لدى القوى الكبرى، وظهرت قاعدة مضادة له تدريجياً.

ويعكس هذا التحول مزيجاً من المصالح المادية الاستراتيجية والمعتقدات المعيارية المتطورة. وكان الاغتيال أداةً تستخدمها الدول الأضعف أحياناً ضد منافسيها الأقوى، وفضّلت القوى العظمى حصر العمل السياسي العنيف «أي الحرب» في ساحة المعركة، حيث يرجّح أن تنتصر مواردها المتفوقة.

وعلاوة على ذلك، كان للنخب الحاكمة في مختلف الدول مصلحة مشتركة في عدم محاولة قتل بعضها بعضاً، مهما كانت خلافاتها الأخرى، حتى مع إرسالها آلافاً من رعاياها للموت في معارك دامية.

وعكست القاعدة الرافضة للاغتيال، مفهوم الواقعية السياسية القائل بأن القادة الوطنيين يخضعون لمبادئ أخلاقية مختلفة عن الأفراد العاديين، وأنه لا ينبغي محاسبتهم شخصياً على أفعالهم نيابة عن الدولة. ويمكن توجيه الاتهام إلى فرد قتل شخصاً وإدانته، لكن الملك أو رئيس الوزراء الذي شنّ حرباً «من أجل المصلحة الوطنية» يمكن أن يفلت من العقاب، ولو مات الآلاف نتيجة لهذا القرار.

ولم تتجل هذه الازدواجية في المعايير بوضوح، أكثر مما كانت عليه في أعقاب الحرب العالمية الأولى، عندما تم السماح للقيصر الألماني المخلوع، فيلهلم الثاني، بقضاء بقية حياته في منفى هادئ في هولندا. وقبل قرن من الزمان، نجا نابليون بونابرت من العقاب المباشر، على الرغم من جره أوروبا إلى الحروب في مناسبات عديدة، وجرى إرساله إلى منفى في المحيط الأطلسي، في النهاية، ليشيخ هناك، ويموت وحيداً.

ومن اللافت للنظر أن القاعدة الرافضة للاغتيالات ظلت سارية حتى في الحروب المروعة، ولم يحاول الحلفاء قط اغتيال أدولف هتلر، كما لم يستهدفوا الإمبراطور الياباني، هيروهيتو، أو الزعيم الإيطالي، بينيتو موسوليني، بشكل مباشر.

ووفقاً لتوماس، بدأت هذه القاعدة بالانهيار في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مع ترسيخ اعتبارات أخلاقية ومادية جديدة، في محاكمات «نورمبرغ» وطوكيو لجرائم الحرب، ورفض الحلفاء المنتصرون التمييز السابق بين الأفعال العامة والخاصة، وحمّلوا المسؤولين اليابانيين والألمان السابقين المسؤولية الشخصية عن أفعالهم الرسمية.

وألهم دافع مماثل اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتزاماً عالمياً متزايداً، بمعاقبة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية. وكان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لاحقاً، وما صاحبه من جهود لمعاقبة القادة الذين يعتبرون مذنبين بارتكاب مثل هذه الجرائم الكبرى.

لكن لماذا كان هذا التحول في المنظور المعياري مهماً؟ لأنه إذا أصبح القادة الأفراد مسؤولين أخلاقياً عن قراراتهم، فقد أصبح من الأسهل تبرير العمل المباشر ضد أولئك الذين يتم النظر إليهم على أنهم أشرار، أو خطرون.

ويمكن اعتبار عملية استهداف قائد واحد، أفضل من بدء حرب يفقد فيها المزيد من الناس أرواحهم. وبات الاغتيال يبدو وكأنه وسيلة أكثر فعالية من حيث الكلفة للتعامل مع المشكلات السياسية، بل وأكثر من ذلك مع تزايد إمكانية تنفيذ الضربات الدقيقة وعمليات القتل المستهدف بفضل التكنولوجيا العسكرية، على الأقل بالنسبة للدول الأكثر قدرة عسكرية.

وبدلاً من أن تكون عمليات اغتيال القادة المتنافسين التي ترعاها الدول، نادرة للغاية، باتت أكثر شيوعاً بمرور الوقت. وخلال الحرب الباردة، على سبيل المثال، قتلت الولايات المتحدة، أو ساعدت في قتل، أو حاولت قتل الرئيس الكوبي الراحل، فيدل كاسترو، والرئيس الكونغولي الراحل باتريس لومومبا، والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، والعديد من القادة الأجانب الآخرين.

واستهدفت إدارة بوش، الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عمداً في بداية غزو العراق عام 2003. وقتلت إسرائيل العديد من خصومها السياسيين على مر السنين، بمن فيهم قادة «حماس» و«حزب الله»، إضافة إلى العديد من العلماء النوويين المدنيين الإيرانيين.

وحاولت كوريا الشمالية اغتيال رئيسين مختلفين لكوريا الجنوبية، مرة في عام 1968 ومرة أخرى في عام 1983. وصرحت أوكرانيا بأن روسيا حاولت مراراً وتكراراً اغتيال الرئيس فولوديمير زيلينسكي. ومن الواضح أن القاعدة السابقة التي تقضي بعدم استهداف الحكومات لنظيراتها الأجنبية، أصبحت الآن على أجهزة الإنعاش، ويعد هذا تطوراً مثيراً للقلق على نحو كبير، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل.

أولاً، مع أن الأعراف الراسخة لا تمنع الدول القوية من التصرف كما تشاء، فإن انتهاكها يكلفها سمعتها، ويثني الآخرين عن الحفاظ على علاقات وثيقة أو تعاونية معها. ومع تآكل هذه الأعراف، تتراجع القيمة الرادعة لهذه العواقب على السمعة، وستنظر المزيد من الدول إلى الاغتيال كشكل مشروع من أشكال العمل السياسي. وستقل ثقة الحكومات بعضها ببعض، وسيصبح التوصل إلى حلول مقبولة للنزاعات القائمة أكثر صعوبة.

ثانياً، وانطلاقاً من النقطة الأولى، فإن التخلي عن الأعراف المناهضة للاغتيال سيثني الخصوم عن الاجتماع، لكون ذلك محفوف بالمخاطر، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى حلول دبلوماسية للصراعات القائمة، وسيُثني أطرافاً ثالثة عن محاولة مساعدة هذه الجهود.

ويجب على جميع الدول التحدث إلى أعدائها من حين لآخر، وهو ما يتطلب عادة أطرافاً محايدة لتسهيل العملية. إن انتهاك سيادة قطر والقاعدة التي تعارض الاغتيال بهذه الطريقة، يلقي المزيد من التعقيد في مواجهة الدبلوماسية الدولية في وقت نحتاج فيه إلى المزيد منها، وليس أقل.

وأخيراً، يمكن القول إن الاعتقاد بأنه من المقبول تماماً استهداف وقتل المسؤولين الأجانب الذين نختلف معهم، يسهّل على البعض تبرير الأعمال العنيفة ضد الشخصيات السياسية المحلية التي نختلف معها. وفي كلتا الحالتين، تتم «شيطنة» المستهدفين المحتملين، أولاً باعتبارهم تجسيداً للشر وتهديداً مميتاً للأمة. وبمجرد إلصاق هذه التهمة بهم، ستبدو الإجراءات المتطرفة للتعامل معهم مقبولة، وربما ضرورية.

وإذا كانت أميركا تشعر بالقلق إزاء تصاعد النشاط السياسي العنيف في الداخل (والذي، على عكس الأكاذيب التي ينشرها نائب الرئيس جيه. دي. فانس ومسؤولون آخرون في الإدارة، يأتي في الغالب من اليمين السياسي وليس اليسار)، فيجب القلق أيضاً بشأن كيفية تقويض الولايات المتحدة، وبعض أقرب حلفائها، وبعض القوى الكبرى الأخرى، لمعيار منع الاغتيال في الخارج.  عن «فورين بوليسي»

• بات الاغتيال يبدو كأنه وسيلة أكثر فاعلية من حيث الكلفة للتعامل مع المشكلات السياسية، مع تزايد إمكانية تنفيذ الضربات الدقيقة وعمليات القتل المستهدف بفضل التكنولوجيا العسكرية.

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: مقتل تشارلي كيرك يثير مخاوف من موجة اغتيالات ضد اليمين واليسار عالمياً - تليجراف الخليج اليوم الأحد 21 سبتمبر 2025 04:16 صباحاً