منذ بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، دأبت حكومة كييف على إعلان العجز المتوقع في ميزانيتها العامة سنوياً، وهو الفارق بين الإيرادات المتوقعة والنفقات الفعلية. وتُظهر هذه الأرقام وجود فجوة مالية يجب على الحكومة سدها، وغالباً ما يتم الاعتماد على الدعم الدولي لتغطية هذا العجز.
من المتوقع أن تصل قيمة هذا العجز خلال العام الجاري إلى نحو 19 مليار دولار، وسيتم سداده من خلال مساعدات مالية خارجية تقدّر بـ38 مليار دولار، وهو ما يعادل 20% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا. وتأتي هذه المساعدات بشكل رئيس من الدول الصديقة وصندوق النقد الدولي الذي يلعب دوراً أساسياً في تنسيق وتوجيه هذا الدعم.
لكن التحديات المالية المقبلة تبدو أكثر تعقيداً، فتقديرات رئيسة الوزراء الأوكرانية، يوليا سفيريدينكو، تشير إلى أن بلادها ستحتاج في العام المقبل إلى نحو 50 مليار دولار، وهو رقم يفوق ما وعدت به الدول المانحة حتى الآن، والتي لم تتعهد سوى بتقديم 31 مليار دولار فقط.
يزداد هذا التحدي تعقيداً في ظل ما تعانيه أوكرانيا من إنهاك مالي بسبب استمرار الحرب مع روسيا، إلى جانب فتور الحماس لدى السياسيين الأجانب والمؤسسات الدولية بشأن تقديم دعم إضافي، ما يجعل أوكرانيا تواجه «أزمة تمويل» تهدد استقرارها الاقتصادي والسياسي.
أكبر الممولين
تُعد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من أكبر الممولين لأوكرانيا، ويعتمد كلاهما بشكل كبير على تقارير وتوقعات صندوق النقد الدولي، الذي كان قد رجّح في وقت سابق نهاية محتملة للحرب خلال هذا العام، لكن تلك التوقعات لم تتحقق.
وحتى في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن عملية إعادة الإعمار وضرورة الحفاظ على جاهزية ردع روسيا ستشكل عبئاً مالياً كبيراً. ومع ذلك من المرجح أن يسهم انتهاء الحرب في إعادة مئات الآلاف من الجنود إلى سوق العمل، ما يؤدي إلى خفض نفقات الدفاع تدريجياً، وتحقيق تعافٍ اقتصادي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع عجز الموازنة إلى ما دون 5% من الناتج المحلي بحلول عام 2027، ما سيقلل الحاجة إلى الدعم الخارجي بشكل كبير.
لكن في الوقت الراهن، ومع تعثر محادثات السلام، تواصل الحكومة الأوكرانية استعدادها لجولات قتال جديدة. وفي هذا السياق تخطط سفيريدينكو لرفع الإنفاق الدفاعي بحلول عام 2026 إلى نحو 68 مليار دولار، ما يعني تزايد الضغط على الميزانية العامة وتضخم النفقات اليومية بشكل مستمر.
وقدّرت كلفة الحرب خلال العام الماضي بنحو 140 مليون دولار يومياً، وهي كلفة ارتفعت أخيراً إلى 172 مليون دولار يومياً. وقد اضطرت الحكومة الأوكرانية إلى رفع ضرائب الدخل وفرض ضرائب جديدة على المؤسسات المالية، ما حدّ من قدرتها على توليد إيرادات جديدة وزاد من إرهاق الخزينة العامة.
تشكيك
من جهته، يشكك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في استمرار تمويل الحرب في أوكرانيا، حيث عمل على وقف تدفق المساعدات الأميركية إلى كييف. وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومات الأوروبية تحديات اقتصادية محلية تعوق قدرتها على تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا دون التأثير على استقرارها الداخلي.
ورغم أنه جرى منذ العام الماضي تحويل معظم عائدات أصول البنك المركزي الروسي المجمدة لدعم أوكرانيا، فإن المضي في تحويل هذه الأصول لايزال يواجه تردداً واضحاً من الدول الأوروبية.
زيادة القلق
كل ذلك أدى إلى زيادة القلق لدى صندوق النقد الدولي، الذي أبدى مخاوفه بشأن قدرة أوكرانيا على تغطية هذا العجز في ظل الدعم المحدود. وكانت رئيسة الوزراء الأوكرانية طلبت في سبتمبر الجاري خطة إنقاذ جديدة لتحل محل حزمة المساعدات الحالية البالغة 16 مليار دولار، والتي ستنتهي في عام 2027 إلا أن المفاوضات بشأن هذه الخطة لم تحقق تقدماً يُذكر حتى الآن.
وتُشير تقديرات الصندوق إلى أن الحكومة الأوكرانية قد تضطر إلى إنفاق 20 مليار دولار إضافية عمّا هو متوقع بحلول نهاية عام 2027، وهو مبلغ كبير لا يمكن للصندوق دعمه، إلا إذا كانت هناك ضمانات كافية بأن أوكرانيا ستكون قادرة على السداد، وهو أمر بات غير مؤكد في ظل تراجع الدعمَين الأميركي والأوروبي. عن «إيكونوميست»
فرض التسوية
غالباً ما تؤدي نهاية الصراعات إلى استنزاف كبير لموارد الدول، بدلاً من أن تكون نتيجة لانتصارات عسكرية حاسمة في ساحات القتال. ومع استمرار تناقص الدعم والإمدادات الموجهة إلى أوكرانيا، وتراجع الموارد المالية المتاحة لتغطية رواتب الجنود، تزداد احتمالية دفع أوكرانيا نحو الدخول في محادثات تؤدي إلى تسوية نهائية للصراع.
وربما يرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يسعى جاهداً لتحقيق إنجاز دبلوماسي يُحسب له كاتفاق سلام، أن وقف المساعدات المالية المقدمة لأوكرانيا قد يُجبرها في نهاية المطاف على القبول بتسوية سياسية. ومع ذلك ورغم هذا التصور اتخذت العديد من الحكومات الأجنبية موقفاً مغايراً، حيث استمرت في تقديم الدعم المالي لأوكرانيا في محاولة لوضعها في موقف تفاوضي أقوى، فهذه الدول ترى أن فرض التسوية في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وظروف قهرية، كتلك التي تعيشها كييف حالياً، سيكون بمثابة كارثة سياسية واستراتيجية، إضافة إلى كونه تبديداً للموارد التي تم استثمارها في دعمها طوال فترة الحرب.
• من المتوقع أن تصل قيمة العجز إلى نحو 19 مليار دولار في 2025.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أوكرانيا أمام عجز مالي متزايد في ظل استمرار الحرب - تليجراف الخليج اليوم السبت 20 سبتمبر 2025 03:36 صباحاً