من نيويورك إلى الدوحة: حلّ الدولتين وتصفية القضية الفلسطينيّة! #عاجل - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: من نيويورك إلى الدوحة: حلّ الدولتين وتصفية القضية الفلسطينيّة! #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الأحد الموافق 14 سبتمبر 2025 02:54 مساءً

 

كتب كمال ميرزا - 

 

حتى ما قبل السابع من أكتوبر، "حلّ الدولتين"، أدرك أصحابه أم لم يدركوا، هو أخطر صيغة تآمرية مطروحة على الطاولة من أجل تصفية "القضية الفلسطينيّة" مرّة واحدة وللأبد!

المشكلة في "حلّ الدولتين" من حيث المبدأ أنّه يعني:

ـ الإعتراف النهائيّ بالكيان الصهيونيّ كدولة شرعيّة ذات سيادة!

ـ لا يوجد شيء اسمه فلسطين من النهر إلى البحر، ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش!

ـ تقسيم القدس، وتدويل مقدّساتها، والاعتراف للكيان الصهيونيّ بحقّ شرعيّ في المدينة!

ـ لا يوجد هناك شيء اسمه مقاومة (باستثناء المقاومة السلميّة على طريقة أبو مازن طبعاً)!

ـ لا يوجد هناك شيء اسمه حق العودة.. إلّا بمقدار ما أنّه موضوع للنقاش والتفاوض والمساومة على التعويضات!

ـ لا يوجد هناك شيء اسمه "فلسطينيو الداخل" أو "عرب الـ 48"؛ فهؤلاء فلسطينيّون، وها قد أصبحت لهم دولتهم الآن، فليذهبوا إليها، ولتبقى إسرائيل دولة "يهوديّة" فقط!

أمّا بالنسبة لما أُطلق عليه "إعلان نيويورك"، فإنّ مشكلة هذا الإعلان بالصيغة التي خرج بها أنّه ينصّ صراحةً على:

ـ تجريم المقاومة الفلسطينيّة، واعتبار أفعالها (بما في ذلك طوفان الأقصى المبارك) أعمالاً إرهابيّةً (في حين أنّ ما يقترفه الكيان الصهيونيّ هو مجرد عنف).

ـ إلغاء وشطب حقّ الشعب الفلسطينيّ بالمقاومة المسلحة مع أنّه من الحقوق التي تكفلها ما تُسمّى "الشرعية الدوليّة" التي يتشدّق بها الجميع بما في ذلك الجمعية العامّة للأمم المتحدة التي أقرّت وتنبنّت "إعلان نيويورك".

ـ شرعنة الاستيطان؛ فالإعلان يتحدّث عن وقف الاستيطان، ولكنّه لا يتطرّق من قريب أو بعيد إلى وجوب قيام الكيان الصهيونيّ بتفريغ مستوطناته القائمة وإعادة ما اغتصبه من أراضٍ على الأقل منذ توقيع "اتفاقيّة أوسلو" ولغاية الآن.

ـ سلب الفلسطينيّين فلسطينيّتهم بحصر صفة الفلسطينيّ فقط بأولئك الذين ينضوون تحت مظلة ما تُسمّى "منظمة التحرير الفلسطينيّة"، ويدينون بديدنها، ويحظون برضاها وإقرارها واعترافها.. وهي التي أصبحت منذ وقت طويل مجرد هيكل مُستلَب أجوف ومسمّى يخلو من المضمون.

ـ مكافأة بطولات وتضحيات أهالي غزّة، والأثمان الباهظة التي دفعوها ما قبل وما بعد "الطوفان"، بجلب سلطة التنسيق الأمنيّ و"قوّات دايتون" إليهم.

ـ إستنساخ تجربة تخنيث الوعي وتدجين الدين التي تمّ تطبيقها في أغلب الدول العربيّة من خلال التلاعب بالمدارس والمناهج الدراسيّة (بذريعة التطوير والتحديث)، وإحكام السيطرة على المساجد وأئمتها وخطبائها (بذريعة الوسطيّة ومحاربة التطرّف وخطاب الكراهية).

ـ إرساء ما تُسمّى "الدولة الفلسطينيّة" الموعودة كـ "نموذج قياسيّ" للدولة "الكانتون" التي يُراد تعميمها في المنطقة في إطار ما يُسمى "الشرق الأوسط الجديد"، وسياسة "تفتيت ما هو مفتت وتجزئة ما هو مجزّأ": دولة صغيرة المساحة، محدودة الموارد، منزوعة السلاح، تتمركز حول هويّة/ هويّات فرعيّة تضعها على تماس وتوتر مع محيطها وتسلبها عمقها القوميّ والإسلاميّ، غير قادرة على العيش والاستمرار بالعيش بالاعتماد على إمكاناتها الذاتية، يحكمها نخبة مكوّنة من سماسرة ووكلاء بمسمّى رجال أعمال ومستثمرين ورياديّين مرتبطين بالخارج، ومتصاهرين مع سلطة سياسية فاسدة، و"عسكرتاريا" أفسد، وانتلجنسيا مُصنّعة أكثر فساداً، ويستمد هذا الرباعي مقوّمات "شرعيّته" وبقائه من خلال لعبه دوره الوظيفيّ المُحدَّث كشركة أمن وحماية ترعى وتحرس مصالح البنوك والصناديق السياديّة العالميّة والشركات الكبرى العابرة للحدود والقوميّات، والتي تمتلك وتحتكر وتتحكّم فعليّاً بكافة الثروات والمقدّرات الحقيقيّة على الأرض (نفط، غاز، موانئ، مطارات، ماء، كهرباء، اتصالات، زراعة.. الخ).

في ضوء هذا المنظور فإنّ حلّ الدولتين خيانة أكبر من الاحتلال نفسه، ليس فقط خيانة لفلسطين وقضيتها وأهلها وشهدائهم وتضحياتهم على مدار أجيال وأجيال.. بل خيانة للذات تمارسها الأنظمة العربيّة ضدّ شعوبها وأوطانها ودولها، والتي سيأتيها الدور لاحقاً (ومنها الذي أتاه الدور بالفعل) لإعادة تعريفها وفكّها وتركيبها وفق نموذج الدولة الفلسطينيّة الكانتون الموعودة!

ولكن ما علاقة كلّ هذا الكلام بقمّة الدوحة الطارئة؟!

أخشى ما أخشاه أنّ كلّ "الجعجعة" و"البعبعة" التي صاحبت الدعوة لعقد هذه القمّة على خلفية العدوان الصهيونيّ على العاصمة القطريّة الدوحة هي كالعادة للاستهلاك الإعلاميّ، أو كما يقول التعبير الدارج "شفناكو فوق وشفناكو تحت"!

وأنّ الغرض الحقيقيّ من القمّة هو تبنّي الدول العربيّة والإسلاميّة "إعلان نيويورك" رسميّاً، ووضعه موضع التنفيذ، وأخذ الأنظمة العربيّة والإسلاميّة على عاتقها إتمام المهمّة القذرة بالأصالة عن الكيان الصهيونيّ عبر القوّات المشتركة التي يتم الحديث عنها (بغطاء أمميّ غالباً)، والتي ستدخل غزّة (وربما الضفّة) بحجّة فضّ الاشتباك وتأمين وقف إطلاق النار وإنهاء المعاناة ومنع التهجير، وقد لا يخلو الأمر من صدامات مسرحيّة محدودة هنا وتصعيد محسوب بدقّة هناك بين هذه القوّات والكيان من أجل إضفاء نوع من المصداقيّة والبطولة على هذا السيناريو الهوليووديّ المحروق.. في حين أنّ الهدف الحقيقيّ والمهمّة الحقيقيّة هي تصفية المقاومة نهائياً ونزع سلاحها، وتثبيت الأمر الواقع الجديد، وإرساء الأرضيّة لترتيبات ومشاريع السلام الاقتصاديّ!

ولكن ماذا عن موقف الكيان الصهيونيّ و"نتنياهو" ويمينه المتطرّف من "إعلان نيويورك"؟!

بالنسبة للكيان فقد سبقت الإشارة مراراً وتكراراً بأن ما تُسمّى "دولة إسرائيل" هي في حقيقة الأمر "كيان وظيفيّ" صنعه وزرعه المشروع الرأسماليّ الإمبرياليّ الغربيّ في المنطقة من أجل خدمة مصالحه، وبقاء واستمرار هذا الكيان والدعم الذي يتحصّل عليه رهنٌ بمدى تلبيته للغاية التي تمّ إيجاده من أجلها، وقابليته واستعداده لتعديل وظائفه والأدوار التي يقوم بها متى ما اقتضت الضرورة ذلك.

وبالنسبة لـ "نتنياهو" وعصابه حربه ويمينه المتطرّف فقد سبقت الإشارة أيضاً إلى أنّهم "كلاب مسعورة في مهمّة"، ويبدو أنّهم قد بلغوا الحدّ الأقصى الذي يمكن أن يبلغوه في إنجاز مهمّتم، ولم يعد لديهم الجديد أو المزيد ليقدّموه، لذا لا ضير من استبدالهم بأطراف أخرى من أجل إتمام المهمّة، أو على الأقل إشراك هذه الأطراف لتعمل معهم جنباً إلى جنب!

والمفارقة هنا أنّ اليمين الصهيوني و"نتنياهو" هم أكبر الرافضين لحلّ الدولتين في العالم بكونهم لا يؤمنون إلا بحلّ الدولة الواحدة/ إسرائيل الكبرى، ولا يشاركهم في ذلك سوى "فصائل المقاومة" التي ترفض هي الأخرى حلّ الدولتين وتريد حلّ الدولة الواحدة، ولكن الدولة الفلسطينيّة المحرّرة من النهر إلى البحر..

وهكذا، بعد "إعلان نيويورك" نحن نجد أنفسنا بصورة من الصور أمام مشهد سرياليّ تُرك فيه رافضو حلّ الدولتين على مدار أكثر من (700) يوم لكي يفتكوا ببعضهم البعض، ويستنزفوا بعضهم البعض، ويُنهكوا بعضهم البعض إلى أقصى درجة.. ليأتي أنصار "حلّ الدولتين" وخطّطهم المبيّتة وترتيباتهم التي تُنفّذ "ع السكّيت" منذ سنوات طويلة لكي "يقشّوا الليلة" ويأخذوا الجمل بما حمل!

للوهلة الأولى قد يبدو هذا قمّة الفطنة والذكاء والحنكة السياسيّة، ولكن مرّة أخرى علينا أن نتذكّر أن ثمن ذلك ومنتهاه هو أن يتم تفتيت المنطقة كلّها، وإعادة تركيبها وفق النموذج الجديد والصيغة الجديدة.. والنظام أو القائد العربيّ أو المسلم المنتشي بأنّه ينخرط في هذه المعمعة من موقع "اللاعب" اليوم، هو نفسه ونظامه ودولته سيكون "الملعوب به" غداً!

يقول الله تعالى في الآيتين (103) و(104) من "سورة الكهف":

((قُل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً. الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا)).

هاتان الآيتان تنطبقان أكثر ما تنطبقان في السياق الحاليّ على المهلّلين والمطبّلين لما يُسمّى "حلّ الدولتين"!

ولاحظوا أنّ الكلام هنا مع افتراض "حسن النوايا" بهؤلاء، وإلّا لكان الاستشهاد مثلاً بالآيتين (21) و(22) من "سورة نوح" (نبي الطوفان):

((قال نوح ربّ إنّهم عصوني واتّبعوا مَن لم يزده ماله وولده إلّا خسارا. ومكروا مكراً كُبّارا))!

أو بالآية (46) من "سورة إبراهيم" (نبي الإسلام الحنفي الذي يُراد تحريف عقيدته وعهوده):

((وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال))!

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.