نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: التوريث السياسي وتدوير المناصب في الأردن خطر يهدد الانتماء للوطن - تليجراف الخليج اليوم الخميس الموافق 11 سبتمبر 2025 01:11 مساءً
- المواطن الأردني من أخلص شعوب الأرض لوطنه
- الوطن لا يحميه إلا المخلصون، ولا يبنيه إلا الأكفاء، ولا يستقر إلا بالعدل
- الدفاع عن الوطن ليس مجرد خطاب شعاراتي وشعبوي بل موقف أخلاقي وسلوكي ينبع من الإيمان بالوطن
- الوطن يمنحك الانتماء والولاء والاستقرار والدفء والسكينة والحب، والعدالة، والفرصة، والكرامة.
في الوقت الذي يمر فيه الأردن بتحديات إقليمية وعالمية وداخلية معقدة، تستمر ظاهرة تعد من أخطر المهددات الصامتة لاستقرار الدولة وهي التوريث السياسي وتدوير المناصب بين فئة محددة من المسؤولين وأبنائهم داخل المؤسسات الحكومية، وهذه الممارسات أصبحت هي القاعدة على مختلف المستويات، وتحت مسوغات وطنية وسياسية ودينية واجتماعية وجهوية مناطقية وتكنوقراطية وحزبية وإدارية وغيرها إلا أن معظمها في الحقيقة هي تنقيعيه أو مكافئات على مواقف شعبوية لا تخدم الوطن ولم تحقق ما يصبوا اليه وبنفس الوقت تعكس أزمة عميقة في بنية العدالة وتكافؤ الفرص داخل الدولة، وتهدد في جوهرها الولاء الوطني الحقيقي، وتقوض ثقة المواطن المنتمي بدولته ومؤسساتها بل ويهدم الانتماء لديه .
من المعروف أن الشعور بالانتماء والولاء للوطن يولد من الإحساس بالعدالة والمشاركة في المسؤولية، والقدرة على تحقيق الذات عبر فرص متكافئة للجميع بغض النظر عن أصل، أو اسم الشخص، أو مكونه او ارثه عائلته السياسي او عشيرته أو صلاته الشخصية بالجهات المعنية غير أن مشهد التعيينات والترقيات والتدوير للمسؤولين وما يجري على الواقع يكون محتكرا على أبناء المسؤولين أو الدائرة الضيقة من النخب السياسية والجهوية والشعبوية وفي جميع ع المستويات الوظيفية الحكومية حيث يتم تعيين وترقية و تدوير نفس الوجوه والاسماء دون محاسبة أو تقييم رغم الأخطاء الجسمية المرتكبة والفشل والفساد الإداري والمالي الذي ارتكب منهم والأمثلة كثير في كل تعديل او تغيير حكومي او على مستوى المؤسسات في الوقت الذي يقصى به ويهمش أصحاب الكفاءات والانتماء والولاء الحقيقي للوطن والقيادة وليس الولاء للأشخاص ، وهذا أدى إلى خلق شعورا عاما بالظلم والإقصاء، وأدى إلى تآكل الانتماء الفعلي للموطنين للدولة ومؤسساتها.
ليس خافيا على أحد أن كثيرا من الكفاءات الأردنية تمتلك المؤهلات والخبرة التي تؤهلها لخدمة الوطن في أرفع المواقع، ولكن في ظل هيمنة التوريث السياسي والتدوير، يهمش هؤلاء لصالح شخصيات مرتبطة بمراكز قوى أو بعلاقات دولية (سفاراتية) أو عائلية، أو مصاهرة، أو قربى، أو جهوية، أو ولاء شخصي ، أو بسبب الارتباطات و تدخل بعض الجهات النافذة في التعيينات والترقيات والتوصيات الوظيفية لصالح أفراد معنيين لمنحهم المناصب وهم لا يستحقونها بل ويوفروا لهم الدعم والغطاء ، وهذا في الحقيقة لا يمكن أن يحدث في الدول التي تريد أن تعمق الولاء والانتماء لدى افراد شعبها ومكوناته ، وتريد أن تنمو وتتطور وتحقق ازدهارا و تحترم نفسها ومواطنيها وتريد منهم ان يكون الحصن المنيع لها، كما لا يحدث في الدول التي تريد من الوظيفة العامة مصدر لسعادة المواطنين في تلبية احتياجاتهم، والتي لا تريد لمؤسساتها أن تتحول إلى مساحات مغلقة تحكمها المصالح لا المصلحة العامة ولا أن تنتج نخب مغلقة تتبادل المناصب والمصالح فيما بينها ، بل تريد الدول التي تهتم بشعبها وبالتنمية والازدهار باستثمار أصحاب الكفاءة لا بتهميشهم، وباستقطابهم لا بدفعهم للهجرة ، أو الانسحاب من الحياة العامة أو السخط على الدولة حتى يصبحوا أعداء للوطن ومؤسساته.
إن ما يفاقم الأزمة في الدولة اليوم والأخطر منها هو أن الكثير من هؤلاء الذين وصلوا إلى المناصب والمواقع القيادية عبر التوريث أو التدوير، لم يحققوا للوطن أي إنجاز يذكر بل على العكس، كانوا جزءا من حلقات الفساد الإداري والمالي، وأسهموا في إثقال كاهل الدولة بالديون، والتفريط في مواردها، وبيع ممتلكاتها العامة بأثمان بخسة، وحققوا ثروات شخصية ونموها على حساب الشعب ومستقبله جراء التوريث والتدوير بينما يدفع المواطن العادي وصاحب الكفاءة الثمن الأكبر فالبطالة في ارتفاع، والفقر يتمدد، وغلاء المعيشة يخنق الطبقات المتوسطة والفقيرة، والعداء للوطن يزداد لأنه هذا المواطن بات يشعر اليوم أن وطنه بات مِلكا لفئة محظوظة، لا تعاني ولا تحاسب، ولا تشعر بما يعانيه الملايين من أبناء الوطن في المحافظات والأطراف وحتى في قلب العاصمة.
يا ساسة إن المؤسسات لا تنهض إلا بعزيمة العاملين فيها، وهذه العزيمة ترتبط مباشرة بشعورهم بالعدالة والإنصاف وفي ظل غياب الشفافية، وسيطرة الواسطة والمحسوبية، تتراجع دافعية الموظفين والعاملين، ويصبح الإخلاص في العمل خيارا صعبا أمام بيئة غير منصفة بل إن كثيرا من الشباب الأردنيين اليوم يشعرون بأن التفوق الأكاديمي والاجتهاد الوظيفي لم يعد له قيمة في وطن باتت المناصب تحجز فيها قبل الإعلان عنه، وهذا الأمر قد أوجد فجوة بين المواطن والدولة لا تسد بالأمن، ولا تعالج بالقوانين التي لا تطبق إلا على المواطنين خارج طبقتي التوريث والتدوير ، بل بالعدالة فهي الكفيلة في تحقيق وتعزيز الانتماء لاسيما أن الدفاع عن الوطن ليس مجرد خطاب شعاراتي وشعبوي كما يفعل الذين ينظرون علينا على الشاشات بعد أن كانوا قد دقوا اسافين ومسامير في نعش الوطن إلا أن وصلوا إلى ما يريدون ، بل هو يا سادة موقف أخلاقي وسلوكي ينبع من الإيمان بالوطن كمكان يمنحك الانتماء والولاء والاستقرار والدفء والسكينة والحب والعدالة والفرصة والكرامة.
ربما لا يشعر كثيرون بالخطر الكامن وراء استمرار هذه الممارسات، لكنها تمثل قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار والانتماء وتنمي العداء للدولة، وتؤدي إلى فقدان الثقة بالمؤسسات وتصعد من الغضب الشعبي، وتآكل الشرعية الاجتماعية وغيرها، والأخطر من ذلك أن هذا الواقع سيغذي الخطابات المتطرفة، ويتيح لأعداء الوطن فرصة استغلال هذا التذمر الشعبي لبث الفوضى وزعزعة الأمن، لذا لا بد من طريق للإصلاح القائم على العدالة والجدارة وليس على التوريث والتدوير ، كما لا بد من مراجعة عميقة لأنظمة التعيين والترقيات وما تم في تعيينات لتكريس مبادئ العدالة والشفافية والمحاسبة، ووقف التدخلات في التعيينات والترقيات ومنح المكافآت والتي تتم من مختلف الجهات ، واعلان التجاوزات واشراك كافة الشرائح في مواقع اتخاذ القرار بدلا من حصرها في التوريث والتدوير لأنه السبيل الوحيد لبناء وطن متماسك، عادل وآمن من الداخل.
إن بناء وطن قوي لا يمكن أن يتم عبر إعادة تدوير الأسماء، ولا بتوزيع المناصب وفق الولاءات الضيقة فالأردن اليوم بحاجة إلى كل أبنائه، إلى طاقاته المعطلة، وكفاءاته، وعقول شبابه ولا يمكن استنهاض هذه الطاقات إلا حين يشعر كل أردني بأن له مكانا في وطن لا يحميه إلا المخلصون، ولا يبنيه إلا الأكفاء، ولا يستقر إلا بالعدل فالمواطن الأردني من أخلص شعوب الأرض لوطنه .
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.