خسرت فرنسا حكومة جديدة بعد أن صوّت البرلمان، أول من أمس، بأغلبية ساحقة ضد رئيس الوزراء، فرانسوا بايرو، ورغم مناشدة حماسية في اللحظات الأخيرة للجمعية الوطنية، فإن بايرو لم يحصل إلا على 194 صوتاً من أصل 558 صوتاً في تصويت الثقة.
وكانت هزيمة بايرو بمثابة إهانة له ولحلفائه من أحزاب الوسط، ورئيسه، إيمانويل ماكرون، وبعد تسعة أشهر فقط في منصبه، انتهت مهمة بايرو رسمياً، وقال ماكرون إنه سيُعيّن خليفة له خلال الأيام القليلة المقبلة.
وصوّت كلّ من حزب «فرنسا الأبية» اليساري بزعامة جان لوك ميلينشون، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، ضد الحكومة.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة أن الاشتراكيين، وحتى بعض أعضاء الحزب الجمهوري من يمين الوسط، الذين انضموا إلى حكومة بايرو بعدد من الوزراء، صوّتوا أيضاً بحجب الثقة عن حكومة بايرو.
وكانت نتيجة مخيبة للآمال لرئيس وزراء كان يأمل في مساعدة ماكرون على تحقيق بعض الاستقرار في البلاد، لكن فرنسا خسرت الآن أربعة رؤساء وزراء في أقل من عامين.
عجز الميزانية
وكان بايرو دعا بنفسه إلى التصويت على الثقة بشأن خططه لتحقيق وفورات في الميزانية بقيمة 44 مليارات يورو، في عام 2026، من أجل الحد من عجز الميزانية الفرنسية، الذي يبلغ 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، لكن المعارضة من اليسار واليمين، اللذين يُشكّلان كتلتين كبيرتين في البرلمان، رفضت التعاون في خططه المقترحة، ولم تتأثر المعارضة عندما ناشد بايرو في البرلمان قبل التصويت أن المستوى المرتفع للدين العام يُعرّض «حياة فرنسا للخطر».
وألقى زعيم الاشتراكيين في البرلمان، بوريس فالو، باللوم على ماكرون في ما يحدث من فوضى سياسية، واصفاً بايرو بأنه مجرد «مقلد أعمى» للرئيس، وكان التصويت «لحظة حقيقة» بعد «النتائج الكارثية لخمسة عقود من التبذير»، كما أعلنت لوبان.
وتُغرِق هزيمة بايرو البلاد في فترة جديدة من المشكلات الثلاثية: عدم اليقين السياسي، وتوتر السوق، والاضطراب الشعبي، وقبل تسعة أشهر فقط، أطاح البرلمان بالحكومة السابقة، بقيادة ميشيل بارنييه، من يمين الوسط، ويشير النقاش في البرلمان، قبل التصويت، في الثامن من سبتمبر الجاري، إلى أنه لايزال في حالة مزاجية للتسوية، وتكاليف الاقتراض في فرنسا أعلى بالفعل من تكاليف اليونان، ومن المقرر جولة جديدة من الاحتجاجات والإضرابات اليوم الموافق 10 سبتمبر و18 من الشهر نفسه.
جمود سياسي
لدى الرئيس الفرنسي الآن خيارات قليلة وغير مريحة، ومن غير المرجح أن يكسر أي خيار، منها حلقة الجمود السياسي، فهو غير ملزم دستورياً بالدعوة إلى انتخابات جديدة، ولن تكون لديه رغبة كبيرة في القيام بذلك.
وتريد لوبان بالتأكيد تصويتاً جديداً، كما أن حزبها هو بالفعل الأكبر في البرلمان، وتعتقد أنها يمكن أن تحصل على الأغلبية في انتخابات جديدة، وأظهر استطلاع للرأي في وقت سابق من هذا الشهر، أن حزب التجمع الوطني مع حلفائه سيتصدرون التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات بنسبة 33%، وسيحصل التجمع اليساري على 25%، وسيتراجع تيار الوسط بقيادة ماكرون إلى المركز الثالث، بنسبة ضئيلة تبلغ 15% فقط، وفي غضون ذلك، يؤيد 63% من الفرنسيين العودة إلى صناديق الاقتراع.
كما هي الحال، لن تتمكن لوبان نفسها من الترشح للانتخابات، فقد مُنعت من الترشح من قبل محكمة في باريس في وقت سابق من هذا العام في قضية تمويل حزبي، وينطبق الحظر حتى أثناء موعد استئنافها، والذي من المقرر أن يبدأ في يناير 2026.
وفي حديثها أواخر الصيف في شمال فرنسا، أعلنت لوبان المبتهجة أنها «مستعدة للتضحية بجميع التفويضات الانتخابية على وجه الأرض» من أجل وضع حد لسياسات ماكرون «غير العادلة والسامة»، وإذا دُعي إلى انتخابات جديدة، وفاز حزب التجمع الوطني بالأغلبية، فسيكون جوردان بارديلا، تلميذها البالغ من العمر( 29 عاماً)، مرشح حزبها لمنصب رئيس الوزراء.
أقلية في البرلمان
ومع ذلك، في المرة الأخيرة التي حل فيها ماكرون البرلمان، في يونيو 2024، انتهى به الأمر بعدد مقاعد أقل مما كان عليه من قبل، وهو يعاني بالفعل مشكلة كون حزبه أقلية في البرلمان، ومن غير المرجح أن يرغب في تكرار هذه التجربة، وهذا يترك الرئيس مع خيار ثانٍ، وهو محاولة، مرة أخرى، العثور على شخصية قد تكون قادرة، على الأقل، على توجيه ميزانية عام 2026.
ويجادل البعض في المعسكر الوسطي بأن الطريقة للقيام بذلك تتم من خلال اتفاق مع الاشتراكيين، الذين يشغلون 66 مقعداً في مجلس النواب المكون من 577 مقعداً، لكن الثمن قد يكون الموافقة على خطتهم لفرض ضريبة ثروة جديدة على فاحشي الثراء، على أن تُفرض بحد أدنى 2% سنوياً على أولئك الذين تزيد ثرواتهم على 100 مليون يورو.
ويقول أحد المسؤولين، إن ماكرون يعارض هذا بشدة، لأنه سيقوض سجله في جعل فرنسا مكاناً أكثر ملاءمة للأعمال التجارية.
عائد السندات
ما الذي قد يحول الجمود المقلق إلى أزمة كاملة؟ قد يكون أحد المحفّزات هو انقلاب أسواق السندات ضد فرنسا، ومن الواضح أنها متوترة بالفعل، وفرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، لا تواجه صعوبة في العثور على مقرضين، لكن العائد على سنداتها الحكومية لـ10 سنوات ارتفع بالفعل بالقرب من عائد إيطاليا، ومن المقرر أن تُحدّث وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني تقييمها لفرنسا في 12 سبتمبر.
في الواقع، يعتقد بعض مراقبي الشأن الفرنسي أن الأمر سيتطلب أزمة سوقية حتى يفهم السياسيون والرأي العام تماماً ما هو على المحك.
المُحفّز المُحتمل الآخر، كما هي الحال دائماً، هو الشارع، وقد دعت النقابات إلى يوم من الإضرابات المُنظّمة في 18 سبتمبر، وقبل ذلك، اليوم الأربعاء، حيث تواجه فرنسا يوماً من الاحتجاجات المُثيرة للقلق تحت شعار «لنغلق كل شيء».
وأُطلقت هذه الجهود على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل حركة «السترات الصفراء» في وقتها، لتشل البلاد، وقد حظيت بدعم النقابات الأكثر تشدداً أيضاً، وبدون حكومة للاحتجاج ضدها، قد يكون لمثل هذا الجهد قيمة سخيفة، لكنه سيفشل، ومع ذلك في فرنسا لا يمكن استبعاد إمكانية تحول حركة غير ناضجة إلى شيء أكثر خطورة، فقد انتهى الأمر بماكرون إلى التراجع عن ضريبة الوقود، لتهدئة «السترات الصفراء»، ومن المؤكد أن من يختاره ماكرون ليكون رئيس الوزراء القادم سيحاول إدارة بلد أكثر اضطراباً من البلد الذي تركه بايرو خلفه. عن «إيكونومست»
التوافق مع الأحزاب
كان إحجام رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، عن بناء أي نوع من التوافق مع الأحزاب الأخرى خلال الصيف أقل استحقاقاً للثناء، وكان هذا أمراً إلزامياً، كونه كان على رأس حكومة أقلية، ومع ذلك، منذ أن دعا بايرو إلى تصويت الثقة الذي حسم مصيره، قبل أسبوعين، كانت صراحته بشأن النموذج الاجتماعي الفرنسي منعشة للغاية، ويعتمد سياسيون مثل بايرو، ينتمون إلى الوسط السياسي الفرنسي، على أصوات المتقاعدين للبقاء في مناصبهم، وإلى جانب العوامل الديموغرافية، يُفسر هذا كيف تم تحويل المزيد من الموارد لتمويل معاشات سخية، في الأغلب على حساب الخدمات العامة الحيوية، كالتعليم والشرطة والدفاع.
وفي الـ74 من عمره، أصبح بايرو غير مرغوب فيه من قبل الناخبين الشباب الذين لا يستفيدون من إجراءاته، وسيضطرون إلى التعامل مع عبء الديون الذي تُخلّفه هذه السياسات، وكان بايرو أمضى الأسبوعين الماضيين يجادل بأن النظام متحيّز جداً لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويجب تغييره، ولهذا السبب وحده يستحق بايرو الثناء.
• في المرة الأخيرة التي حلّ فيها ماكرون البرلمان، في يونيو 2024، انتهى به الأمر بعدد مقاعد أقل مما كان عليه من قبل.
• لوبان اعتبرت أن التصويت لمصلحة حجب الثقة كان «لحظة حقيقة» بعد «النتائج الكارثية لخمسة عقود من التبذير».
نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: فرنسا تواجه فوضى سياسية وتوتر الأسواق واحتجاجات شعبية - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025 03:37 صباحاً