نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: دردشة عن فيلم بنات وسط البلد - تليجراف الخليج اليوم الأحد الموافق 7 سبتمبر 2025 07:11 مساءً
شروحات عامة عن الفيلم :
لي دائما وقفة مع اعمال كلاسيكية رائعة صنعت فوارق عديدة بتاريخ السينما المصرية، فحملت لنا الشارع المصري كما هو بحلوه و مره مغموس بإبداعات كتاب السيناريو و كاميرات مخرجين عشقوا السينما المصرية و اصبحت جزءا لا يتجزء من كينونتهم، فكلما ارى مشاهد فيلم بنات وسط البلد اشعر بِحِسْ مخرجين حملوا الينا قصصاً من وحي الخيال و لكن من واقع و قلب القاهرة ام الدنيا في تلك الأعوام...ازدحامها و اختناق شوارعها التي تعج بالحياة ليلا نهارا، احلام اهلها من البسطاء و المكافحين، رفاه اغنيائها الذي يتباين مع كفاح اهلها الفقراء لنيل لقمة العيش، احياءها الفقيرة التي يسكنوا بها المهمشين مع سعيهم الدؤوب لغد به اشراقة شمس تحمل تغيراً الى الأفضل لهم، و وسط كل تلك الزحمة و الضوضاء و الفقر و المعاناة ينسج المخرجون و كتاب السيناريو قصصهم ليخبرونا ما يحدث مع ابطال تلك اللأفلام لتكون هذه الأعمال مرآة للمواطن المصري و للشارع المصري...و من كاميرات تحمل الينا الكثير و الكثير، فنتعرف على ابطال تلك الروايات عن قرب، اذكر كلام المرحومة والدتي حينما زارت القاهرة مع شقيقتي لمرتين حيث كانت شقيقتي ستشارك بفعالية فنية في عام 2006، قالت لي "كنت استيقظ في الغرفة و اطل على الشارع امامي بعد منتصف الليل و قبل شروق الشمس من نافذة فندق شيراتون الذي كنا نزلاء به...كنت ارى الناس بالشوارع تسير و السيارات و كأننا بِعِزْ النهار و استغرب قليلا لأن سواد الليل حالك امامي،" و كأنها تقول لي بكلامها ان عنفوان زحمة القاهرة يتحدى الليل و سكونه و قمره الذي يعلن سلطانه في كل ليلة على اغلال هذه الظلمة الحالكة فتمتلأ الاحياء المصرية بالحياة الجميلة و المزهرة، و كأن القاهرة لا تنام ابدا...و كأنها تنبض بحياة نغمها جميل جدا على مدار الساعة،
كاميرا محمد خان رَحِمَهُ الله و افلامه غنية عن التعريف، فهذا المارد تَحْمِلْ اعماله دائما ابداعاً استثنائيا لدرجة ان حتى اضعفها به المميز و الممتع و اللًمَسَاتْ الساحرة التي تشد المشاهد اليها، بل لعلني على يقين انني لو شاهدت فيلم له و لم يخبرني احد اسمه او انه من اخراجه سأعرف من خبرتي كناقد خلال مَشَاهِدَهُ انه عَمَلٌ له، فإخراجه كبصمة الأصبع لا يتكرر و لن يتكرر مع اي مخرج آخر، فلم بنات وسط البلد هو عن قصة إمرأتين مصريتين تعملان بوسط البلد و رحلتهن مع شابين يتعرفان عليهما بالصدفة بعد حادثة معاكسة تحصل معهم اثناء ذهابهم الى عملهم، والمميز بالأمر كيف استطاع المخرج ابراز جوانبهما الانثوية و تمردهما على الصورة التقليدية للست المصرية التي تعودنا عليها بالأحياء الشعبية من خلال ثيابهم و سلوكهم و النجاح بسبر اعماقهن كحريم من خلال احداث الفيلم، فمنذ بداية تتر الفيلم و نلمس جوابنهما الأنثوية بصورة راقية جدا، أعجبني طريقته بتقديم بطلتي الفليم، فيدمج ضمن مقدمة الفيلم اسلوب التعليق الصوتي كمونولوج داخلي، و بالإنجليزي يسمى
Using Internal monologue as voice over
فيترك بطلتي الفيلم منذ اللحظات الأولى لتشرح عن انفسهما باسلوب سهل و عفوي، ياسمين التي تحب العيش بوسط البلد، و التي تُعَبِرْ عن ميولها نحو الشباب و حبها حينما يتم معاكستها بمصطلحات شعبية بسيطة...الصياعة و السنكحة، جومانا التي تقول عن ذاتها انها تحب الرقص و الموسيقى و قراءة القصص الرومسنية و النسائية الملتبهة بين الرجل و المرأة، فمن اسماء الروايات التي تقرأها نبدأ بلمس غُلوْ مشاعرها كإمرأة تبحث عن الجوانب العاطفية بحياتها، نبدأ بلمس جوانبهما النسائية منذ اولى مشاهد الفيلم و حتى من طبيعة عملهم بمحلات تهتم بلباس و زينة المرأة، و نرى تعارفهم العفوي بالمترو وسط زحام الناس الصباحي للذهاب الى العمل، بل و نرى صحوبية تنشأ فجأة ببساطة بين تلك البطلتين في قلب وسط البلد كما هو اسم الفيلم،
فيلم بنات وسط البلد هو قصة و اخراج محمد خان، و سيناربو و حوار وسام سليمان، و عُرِضَ لأول مرة في سينما هلتون رمسيس بالقاهرة في الثاني من نوفمبر (تشرين الأول) من عام 2005، و قام ببطولته نخبة لامعة من نجوم القاهرة من بينهم (مع حفظ الألقاب) هند صبري و منة شلبي و خالد ابوالنجا و محمد نجاتي و احمد بدير و الراحلة ماجدة الخطيب و الراحل عزت ابوعوف و الراحل احمد راتب، و بطلتي الفيلم بنات مكافحات يسعين للقمة عيش وسط زحام وسط البلد اليومي، فياسمين (منه شلبي) تعمل بمحل لتصفيف الشعر عند جورج (احمد بدير)، و جومانا (هند صبري) تعمل بمحل لبيع الملابس النسائية، و الجدير بالذكر ان الشخصيات منذ اولى لحظات الفيلم يُسَلًطْ الضوء علهن كإناث فلا نرى التركيز على جوانب آخرى من حياتهن، بل لا نراهم شخصيات تقليدية محافظة من طبقات مصر بالحجاب او بمظاهر التشدد الديني، نتعرف عليهن كشابات تعيش لبناء علاقات مع شباب للإرتباط و لخوض تجارب الحب التي تتولع بها قلوب الشابات في سنهم، و نراهم متحررات باللباس و الميول و الطبع فمشهد الرواية التي بإسم الحب تحت الاشجار و التي كانت جومانا تقرأها بالمترو و الحديث عن الغزل بين الأبطال بالرواية يظهر رغباتهم الداخلية بالدخول بعلاقات غرامية، و نرى روح ثورية و تمرد واضح عن السيدة المصرية التقليدية بهذه المشاهد التي تركز عليهم كنساء من الداخل، و هذا واضح من عدة مواقف مثل لباس ياسمين و العراك الذي يتم بينها و شقيقها بسبب هذا الأمر، الشاب الذي توقف و عاكسهم و هم يأكلون الأيس كريم و الفويس اوفر الذي سمعناه بعدها منهم حيث كانت تسأل نفسها كل واحدة منهم إن كان الشاب يعاكسها ام يعاكس صديقتها، تَخَيُلْ كل واحدة منهن انها تركب معه ىالسيارة... نراهم كنساء تحاول التحرر من قيود المجتمع التقليدية وسط غلو عواطفهم و حاجاتهم مع ضغوطات الحياة اليومية و وسط بيئات شعبية لتتباين روحهم الأنثوية مع ثقافة تلك الاحياء الشعبية و الصورة الكليشية للمرأة المكافحة المصرية بصورة جميلة جدا، تسكن ياسمين مع والدتها و شقيقها الذي نراه يعترض على لباسها و رجوعها بأوقات متأخرة من الليل و سلوكها المتحرر بإستمرر، و تسكن جومانا مع والدتها المصابة بما يبدو مراحل اولية من زهايمر، فنراها تعيش بزمن عابر لا يمت للواقع بصلة، و يكمل المخرج رسم صورته لبطلتيه بأسلوب راقي إذ نراهم سريعاً يتعرفن على شابين سمير (خالد ابوالنجا) و عثمان (محمد نجاتي)، و لا يترددا بإعطائهما ارقام هواتفهما، فيقعا فريسة دعابة تقوم بها ياسمين، حيث تعطيهم رقمها على اساس انها جومانا و رقم جومانا على اساس انها ياسمين، بل يَكْذِبْنَ على الشابين بأن جومانا تعمل مصممة ازياء للأعمال الدرامية و ياسمين انها تغني بكورال مع فنانين كبار، فنرى دعابة و مغامرة عاطفية خفيفة ظل بين هاؤلاء الأبطال، و تستمر الإتصالات بينهما الى ان تتطورالعلاقات الى قصص حب تلبي رغبات تلك الفتيات بالمغامرة العاطفية التي يبحثن عنها، فنرى الإتصالات تتطور الى لقاءات جريئة، فنرى جومانا تخرج مع عثمان الى الديسكو بمفردها ليأخذ الشاب فكرة عنها انها قد تقبل بمعاشرته، فيراها منفتحة بسلوكها و يشعر بشغفها لقصة حب، و نرى مشاعر ياسيمن و سمير تتطور سريعا بينهما ليسكن الحب في قلوبهما،
جرئة جومانه تتخطى المألوف، فنراها تذهب الى منزل عثمان، و يظن عثمان انها لقمة سهلة، فيحاول مرارا في شقته الإستفراد بها حيث يقول لها انه ليس رجل زواج بل للمغامرات العاطفية مع النساء، ولكن بالنسبة لجومانا التي تكون هذه اول مغامرة عاطفية بحياتها ترفض ما يطلبه منها و تغادر الشقة وسط رضاه و وسط خبية امله، و لكن لا تتوقف الأمور عند هذا الحد بل نرى ياسمين و جومانا يقوموا بزيارة سمير في منزله مع عثمان حيث يتعرفوا على والد سمير (الراحل عزت ابوعوف) اكثر و قصته عن كيف تعلم الطبخ و تولع به، و ويحصل هنا مشهد قبلة بين ياسمين و سمير يعكس مدى تطور العاطفة بينهما، و لكن بالمقابل نرى بالمشاهد الاحقة جومانه تبتعد عن عثمان بسبب عدم ميوله للزواج،
يتخلل الفيلم مشاهد كثيرة جميلة لا مجال للوفوق عندها جميعها، فينتهي الفيلم بكشف الشباب لكذب ياسمين و جومانا و بجرح عميق يتسببه سمير لياسمين، ففجأة حينما ترتب ياسمين مع صديقه لها تغني بكورال الفنان ريكو خدعة لتقف مع الجوقة التي ترافق الفنان بالستوديو يطلب سمير من فني الصوت عزل صوت الفنانات اثناء الستجيل ليكتشف صوتها النشاز، و بأنها تكذب عليه، فيبدأ بالضحك بالستودو عليها لتشعر بجرح كبير، نرى هنا شجار بين ياسمين و جومانا عن لماذا وافقت سمير بدعابته، و نراهما لفترة يبتعدان عن بعض، و لكنهن صديقات، فتجلب لهما الأيام المتعاقبة الصلح مع بعض، و تنسى ياسمين تجريح سمير لها فللحب احكامه على قلوب العشاق، و ينتهي الفيلم بإرتباط ياسمين بسمير و بتغير جذري بحياة جومانه، فتقرر العمل كميضفة طيران، و نرى هذا المشهد يحدث بعد فترة من ارتباط ياسمين فنرى طفل لها و جومانه تحضنه...و ينتهي الفيلم بنهاية غير مفهومة للكثيرين عن لماذا فجأة قررت جومانه العمل كمضيفة و كيف بسرعة ارتبطت ياسمين بسمير...و لكن لكل فيلم نهاية مهما كانت مثيرة للجدل،
اخراج الجمال الإنساني من البطلتين رغم البيئة المحيطة بهما :
لعل الراحل محمد خان ادرك ان القصة لا تحتاج الى ابراز الفقر بكامل حذافيره بالتحديد بهذه الرواية بالرغم من انه حافظ على البيئة الحقيقية لياسمين و جومانه، فأخرج من البؤس حلاوة، و من الألم الضحكة البريبة، و من اليأس آمال غرامية تحققت للبطلتين، فلا نرى الحزن و الإكتئاب و الشقاء يكسو وجهيهما، بل نرى الأبتاسمة الجميلة...نرى المُزاحْ و الضحكات...نرى مشاعر نسائية تمتزج بنجاح مع رغبات داخلية للغرام و الحب، نرى ابعاد إنسانية للبطلتين وسط ركام الفقر و الأحياء الشعبية التي تعيشهما، نرى الإنسان من داخلهما و روح الشباب الجميل يتحرك و يتم تسليط الضوء عليه، فنراهما بكوفي شوب في اول الفيلم يمازحان مخرج يطلبان منه ان تكونان اوجه حديدة بالسينما، و نراهما يتقبلان رفضه بالضحك والبسمة الجميلة، نراهما بمشهد ضاحك يفترقا على طرفي الشارع و يبدأن بالمانادة على بعض وسط ازدحام مناطق وسط البلد بالقاهرة، نرى في قلب العَوَزْ الذي تعيشاه سرروهم بالمعاكسات و ضحكاتهم البريئة حينما غازلهما سمير و عثمان، نرى تهافتهم للتعرف عليهما بالرغم من عراكهما اليومي للقمة العيش و مرض والدة جومانا و مشاكل البيت عند ياسمين، و لا يسعني هنا الا التوقف عند مشهد ساخر بمقهى اسمه زهرة البستان – ملتقى الأدباء و الفنانين، و نرى البطلتين به تسمعا الى كاتبة ناشئة على طاولة مجاورة و هي تقرأ لناقد بالمقهى مشهد جريئ من رواية لها، و نراهما يضحكان لنقده للكاتبة و استخدامه لعبارات جريئة، و لعل موضة المقاهي كملتقى للأدباء و الفنانين و المثقفين و ايًةْ اسقاطات ساخرة او غير ذلك عليها لها اصول بمقهى قديم اسمه ريش بالقاهرة، حيث تم تأسيسه في عام 1908 و حيث كان ملتقى للكثير من المفكرين و السياسيين و المثقفين و الادباء لعقود طويلة عبر تاريخ مصر منذ نشأته كمقهى الى ايام الرئيس الراحل انور السادات، حيث تم اغلاقه لفترة بسبب ظروف سياسية لها شأن بالأمن الداخلي وحيث خاف الرئيس انور ان يحاك به ما يُضِرْ بالأمن الداخلي المصري بسبب حساسية التطورات السياسية في مصر في ذلك العهد، ثم اعيد فتحه و لكن اصبح دخوله بأجر ليحاول اصحابه تجريده من ان يكون ملتقى للنقاش السياسي، من رواده من صنعوا تاريخ و حركات ثورية و على سبيل المثال لا الحصر مثل سعد زغلول (1858 – 1927) الذي قاوم الإنتداب البريطاني في ايامه، بل حتى تم التيقن ان مالك مقهى ريش كان له يد في الثورات ضد البريطان حيث تسبب الزلزال المؤسف الذي ضرب مصر في عام 1992 اي بعد 80 عام من ثورة 1919 في شرخ في احد اروقته حيث كَشَفَ وجود سرداب سري مليئ بآلآت لطباعة المنشورات، بل حتى يقول التاريخ ان صاحب المقهى عاند السلطات البريطانية آنذاك حينما رفضت اعطاءه تصريح لعمل الفرق الموسيقية في ريش بسبب خوفها من ازعاج اهل الحي، فجمع تواقيع اعتراض من اهل الحي و انتزع من السلطات البريطانية التصريح، فأصحبت الفرق التي كانت تعزف تغطي على اصوات طباعة المنشورات التحريضية ضد الإنتداب البريطاني في السرداب، نجيب محفوظ كان من رواده و الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع الضباط الأحرار كانوا يلتقون به ليخططوا لعمليات ضد الحكم الملكي آنذاك و لتحقيق حلمهم بإنشاء جمهورية مصر العربية، من رواد المقهى محمد حسنين هيكل و كثيرون من الشخصيات البارزة بالمجتمع المصري، مقهى ريش لايزال قائما و على جدرانه صور لمعظم رواده الكبار الذي شكلوا تاريخ مصر السياسي و الفني و الثقافي،
احببت ان اتوقف عند تاريخ هذا المهقى لأننا نرى من حين لآخر اسقاطات درامية له بالفن المصري، و شتان بين ريش زمان و الوضع الأدبي و الفني في ايامنا الحالية حيث يروي المشهد الساخر في فلمنا لإستماع الناقد لكلام الكاتبة الحالة الهزلية للفن و الأدب و الثقافة التي وصلت اليها مصر، فتمتعت بعهود عتيقة لامعة من الأدباء و الفنانين بزمن قومي كان توأم زمن الفن الجميل بالسالف تَبَايَنَ مع عصر الفقر و الغلاء و ضيق الحال و هشاشة القِيَمْ الفنية و النظرة الإستهلاكية لها و التي وصلت اليها الجمهورية في السنين التي تم انتاج الفيلم بها، ابدع محمد خان بإظهار حس المرأة من داخل جومانا و ياسمين و ابقاء حالة الفقر و كفاحهم اليومي بالخلفية بمهارة عالية جدا لنرى ابعاد آخرى لهما زادت من جمال و رونق هذا الفيلم و جعلته علامة فارقة بتاريخ السينا المصرية المعاصرة،نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.